ابنه البكر.. رجل المرحلة
عن حياته العائلية، تزوج الشيخ عبدالله 4 مرات؛ 3 منها من خارج الأسرة الحاكمة، ورزق بالعديد من البنين والبنات، لكن ولده البكر هو الشيخ مبارك عبدالله الأحمد الجابر المولود سنة 1932، وهذا خلف والده بعد وفاته سنة 1957 فصار نائبا لرئيس الأمن العام لفترة قصيرة. ونظرا للكفاءة والجدية التي أبداها في بداية مساره العملي هذا، اختاره الشيخ عبدالله السالم الصباح ليقود دائرة البرق والبريد والهاتف في 17 فبراير 1959، أي قبل استقلال البلاد بعامين، فكان اختياره نعم الاختيار. إذ شمر عن ساعديه وقام بأعمال مشهودة في زمن كان قطاع الاتصالات يشكو من العجز عن مواكبة الطفرة التنموية التي كانت تعيشها الكويت، الأمر الذي أثمر عن انتشار الخدمات الهاتفية ومكاتب البريد في كل أرجاء الكويت مع تطوير وتحسين عملها، وبالتالي تسميته بـ«رجل المرحلة».
ثم تم توزيره في عام 1962 في أول حكومة كويتية بعد الاستقلال برئاسة أمير الكويت السابق الشيخ صباح السالم الصباح، حيث عهدت إليه مسؤوليات حقيبة البرق والبريد والهاتف (وزارة المواصلات لاحقا). وبعد انتخابات مجلس الأمة الأول عام 1963 تشكلت حكومة جديدة برئاسة الشيخ صباح السالم الصباح أيضا في 28 يناير 1963 فتم تعيينه وزيرا للإرشاد والأنباء (الإعلام حاليا) فظل ممسكا بها حتى 29 ديسمبر من العام نفسه وهو تاريخ استقالة الحكومة. بعد ذلك تم تكليفه بحقيبة وزارة الدولة لشؤون مجلس الوزراء لغاية 30 نوفمبر 1964، حينما قدم استقالته ليتفرغ لأعماله الخاصة. وبذلك اعتزل الحياة السياسية بعد أن أدى خدمات جليلة لوطنه على مدى سنوات، منها مساهمته في سن التشريعات المهمة مثل قانون الانتخاب بحكم عضويته في المجلس التأسيسي الذي سن الدستور، ومنها أيضا قيامه بتطوير وتحديث شبكة الاتصالات الهاتفية عبر الاستعانة بالشركات الأجنبية المتخصصة زمن قيادته وزارة البرق والبريد والهاتف. علما بأن الشيخ مبارك تزوج من الشيخة زكية عبدالله الجابر الصباح ورزق منها 3 بنات و6 أبناء. يقول عنه الدكتور غنيم الذي عمل تحت قيادته في وزارة الإرشاد والأنباء ما مفاده أنه وكل مرؤوسيه صدموا يوم استقالته وأسفوا على قراره لأنهم وجدوا فيه وزيرا حكيما ورجلا نبيلا، مضيفا: «لقد ترك هذا الرجل النبيل عمله في الحكومة، ولكنه بقي في قلوب الناس وأذهانهم، وكلما طرأت الحاجة إلى شخص يحمل عبئاً من أعباء العمل الحكومي تذكروا الشيخ مبارك العبدالله الأحمد الجابر ثم قالوا: هذا يوم من أيامه، كما يقولون ذلك عن والده».
وأخيرا فقد قامت وزارة التربية والتعليم الكويتية بإطلاق اسم الشيخ عبدالله الأحمد الجابر الصباح على مدرسة ثانوية للبنين في ضاحية جابر العلي في محافظة الأحمدي (افتتحت المدرسة في العام الدراسي 1989/ 1990)، كما قامت بلدية الكويت بإطلاق اسمه على شارع من شوارع العاصمة.
يعتبر الأمن العام ركيزة أساسية لاستقرار الدول والمجتمعات، وغاية سعت إليها مختلف الأمم والحضارات على مر العصور، فبدونه لا تتحقق غايات الأمم في النهوض والتطلع إلى المستقبل واستمرارية الحياة الهانئة بعيدا عن الفوضى والاختلال، ويصبح الخوف والقلق مسيطرا على المجتمعات ومقيدا لإطلاق الأفراد والجماعات ملكاتهم ومهاراتهم والاستخدام الأمثل لطاقاتهم. وبعبارة أخرى فإن الأمن يمثل أحد المقومات الأساسية لنجاح عملية النمو والارتقاء والازدهار لأنه يخلق ظروفا آمنة تتيح للأفراد والجماعات الشروع في عملية البناء والتطوير، ولا يعرف قيمته وأهميته إلا من فقده.
في هذا المبحث نتناول سيرة أحد رجالات الأمن الأوائل في الكويت ممن يتذكره الكويتيون إلى وقتنا الحاضر؛ لأنه أرسى دعائم الأمن في بلادهم في بدايات نشوء الكويت كدولة، ونعني بهذه الشخصية الأمنية المغفور له الشيخ عبدالله الأحمد الجابر الصباح؛ النجل الأكبر لحاكم الكويت العاشر الشيخ أحمد الجابر الصباح الذي حكم من 23 مارس سنة 1921 حتى تاريخ وفاته في 29 يناير سنة 1950، من زوجته الأولى حصة إبراهيم الغانم، وهو الأخ الأكبر غير الشقيق لأصحاب السمو الشيخ جابر الأحمد والشيخ صباح الأحمد والشيخ نواف الأحمد أمراء دولة الكويت.
التعليم في الكتاتيب
ولد الشيخ عبدالله بمدينة الكويت في عام 1905، وقيل قبل ذلك في عام 1903، وتوفي في 28 يناير سنة 1957، فلم يشهد استقلال بلاده الناجز. أما دراسته فقد كانت في الكتاتيب التقليدية أو ما يُعرف في العامية المحلية باسم «المطوع»، شأنه في ذلك شأن بقية أقرانه في تلك الحقبة المبكرة، حيث حفظ القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة والحساب. وفي شبابه شارك في غالبية معارك الدفاع عن الكويت ومنها معركة الرقعي التي دارت رحاها في يناير من عام 1928 بين قوات والده ومجموعة من قوات الإخوان البدو.
في عام 1938 عين مسؤولاً عن الأسلحة بقصر نايف التاريخي الذي بني على صهيد نايف في عام 1919 في عهد الشيخ سالم المبارك الصباح -رحمه الله- ولا يزال قائما حتى اليوم ويستخدم كمبنى لمحافظة العاصمة. وبسبب مسؤوليته عن السلاح ارتبط اسمه بالأمن العام، خصوصا بعد أن تولى رئاسة هذا الجهاز الحساس في أربعينات وخمسينات القرن الماضي قبل أن يُدمج الأمن مع الجيش ويعهد بقيادتهما إلى الشيخ عبدالله المبارك الصباح، إضافة إلى منصب الأخير كنائب للحاكم الشيخ عبدالله السالم الصباح طوال عقد الخمسينات وحتى استقالته في أبريل 1961 ومغادرته البلاد. علما بأنه بعد أن آلت مسؤوليات الأمن إلى الشيخ عبدالله المبارك تم تعيينه نائبا لرئيس دائرة الأمن العام، فواصل انخراطه في كل ما يتعلق بحفظ الأمن واستتباب النظام.
شهرة تطبيق القانون
اكتسب شهرة مدوية بين الكويتيين والوافدين لجهة تطبيق أحكام القانون بحزم وعدالة ودون هوادة إلى درجة أن أصحاب القضايا والخلافات كانوا يلجأون إلى حل نزاعاتهم قبل الوصول إلى بابه. كما أن حزمه كان سببا في خوف اللصوص من قصاصه، ما جعل الأمن مستتبا لدرجة أن المحلات التجارية كانت تترك أبوابها مفتوحة في أوقات الصلاة وتناول الطعام، وكذا الحال مع المنازل التي لم تكن تتشدد في إحكام غلق أبوابها. لذا فلا غرو لو كتب بعض الأقلام الكويتية اليوم متحسرا على زمنه على نحو ما فعله الكاتب محمد الجمعة في صحيفة الرأي (29/3/2021) بعد أن استفحلت -حسب قوله- ظواهر خرق القانون في النظافة والمرور والتعدي على الأرواح والأملاك العامة دون وازع. وعلى نحو ما فعله قبل ذلك زميله الكاتب جاسم محمد كمال في صحيفة الوطن (18/4/2018) حينما أشار إلى حادثة سرقة مخازن الذخيرة التابعة لوزارة الداخلية بكاظمة في ليلة مظلمة من ليالي أبريل 2013 قبل أن يقول إنه «بات لزاما علينا هذه الأيام ونحن نعيش تردي الوضع الأمني بالبلاد أن نستذكر ونترحم على الشيخ عبدالله الأحمد الجابر الصباح (......) وحزمه في تطبيق القانون مما أدى إلى انخفاض معدل الجرائم في تلك الفترة من تاريخ الكويت»، مضيفا: «ويحكى عن حكمته الأمنية بأنه في فترة توليه للأمن العام بالكويت سُرق عدد من المحلات بالسوق وكسرت أبواب المحلات المسروقة بطريقة واحدة، فأخذ أسماء من دخل الكويت قبل هذه السرقات وجمع كل من يعمل بمهنة الحدادة وسألهم عن رجل طلب منهم صنع حديدة كبيرة تكسر بها الأبواب، فتعرف الحدادون على المجرم الزائر للكويت الذي سرق هذه المحلات قبل أن تمر عليه 72 ساعة».
السن الذهبية
ومن القصص الأخرى التي رويت عنه وبرهنت على تنفيذه عهدا قطعه على نفسه «بمساعدة الضعيف والفقير حتى يأخذ حقه» أن أحد الدائنين اشتكى عنده ضد أحد المدينين، طالبا من الأخير سداد ما عليه، فأرسل الشيخ عبدالله في إحضار المدين، وحينما حضر أمامه بادره بسؤال عن أسباب عدم سداد ما عليه، فرد قائلا إنه معسر وليس لديه مال، وبينما يتحدث لاحظ الشيخ أن أحد أسنانه من الذهب، فأمر بخلع سنه الذهبية وإعطائها للدائن قائلا: «ما يصير أنت مديون وتحمل الذهب في فمك». عندها فقط صاح صاحب السن قائلا: «يا طويل العمر، أمهلني يوما واحدا حتى أتدبر أمري» فوافق الشيخ بعد موافقة الدائن وأطلق سراحه وتمت التسوية في اليوم التالي. وهذه الحكاية تبين بجلاء ما كان يتمتع به صاحبنا من فطنة وذكاء ومعرفة بنفوس المخالفين.
البطش بالمجرمين
ويتذكر كبار السن كيف كانت تقام عملية عقاب المجرمين في الساحة المقابلة لقصر نايف وكيف كان المجرم يجلد بخيزرانة منقعة بالماء والملح حتى يكون مفعولها أكثر ألما. كما أنهم يتذكرون «حجرة النمل» في قصر نايف وهي حجرة قيل إنها أعدت خصيصا لحجز المجرمين فيها حتى يقروا بالذنب.
وعلى الرغم من وصف البعض له بالمسؤول الباطش، إلا أن بطشه -إنْ صح التعبير- لم يكن إلا بحق اللصوص والمجرمين ومتجاوزي القانون، وهو ما هيأ للبلاد أجواء آمنة ومطمئنة وهي تعبر منعطفا مفصليا في تاريخها، ونعني بذلك فترة انتقال الكويت إلى اقتصاد النفط وما صاحبها من توسع وازدهار وتغير في أنماط المعيشة والسلوكيات الاجتماعية وازدياد في أعداد الوافدين والغرباء. أما خلاف ذلك فقد كان الشيخ عبدالله رجلا حنونا متواضعا محبا للخير، قريبا من الصغير قبل الكبير ومن الفقير قبل الغني.
سور الكويت الثالث
لم يُكتب الكثير عن الرجل على الرغم من دوره آنف الذكر، فكل ما هو موجود لا يتعدى الإشارة إلى اسمه في مؤلفات متفرقة مثل ورود ذكره في كتاب «التحفة النبهانية» للشيخ محمد بن خليفة النبهاني، وذلك في معرض حديث المؤلف عن قصر نايف وبوابات سور الكويت. غير أن الباحث المجتهد الدكتور يعقوب يوسف الغنيم خصه بمقالات في الصحافة الكويتية منها مقاله في جريدة الوطن (6/4/2011) الذي ورد فيه أن الشيخ عبدالله كان معارضا بقوة لقرار بلدية الكويت بهدم سور الكويت الثالث الذي بني عام 1920 بسبب التوسع العمراني الكبير، وذلك من منطلق أن السور جزء من الأمن ولا يجوز تعريض البلاد للخطر مهما تقدم الزمان وتغيرت الظروف، وإنْ لم يعد ذا قيمة دفاعية كما كان عندما تم إنشاؤه، ولكنه رمز وصفحة من صفحات تاريخ الكويت. وأضاف الغنيم أن هدم السور توقف نتيجة معارضته ولم ينفذ إلا بعد وفاته، وكأنما بلدية الكويت كانت تنتظر رحيله «حتى تقوم بما لم تستطع القيام به حين كان حيا يأمر وينهى».وجه مألوف في المناسبات الاجتماعية
ومما أخبرنا به أيضا أن الشيخ عبدالله، إضافة إلى عمله الأمني، كان ينوب عن الشيخ عبدالله الجابر الصباح في رئاسة دائرة معارف الكويت ودائرة الأوقاف العامة حينما يكون الأخير غائبا عن البلاد، ويقوم بمهامهما بجد ونشاط وإخلاص بما في ذلك حضور المناسبات التربوية والدينية ذات الصلة بالدائرتين.
كان الشيخ عبدالله -طبقا للغنيم واستنادا إلى ما وثقته المجلات الكويتية القديمة مثل مجلة «البعثة» ومجلة «الرائد»- حريصا على التواجد في مختلف المناسبات الرسمية المهمة، فقد حضر، على سبيل المثال، مناسبة التجديد الكامل لمسجد الساير الشرقي في فريج الشاوي في فبراير 1955 وصلى فيه مع جموع المصلين الذين سروا بالتجديد وبتركيب المراوح الكهربائية به، ما جعل الكثيرين يبقون في المسجد في فترة الظهيرة للاستفادة من هوائه البارد، خصوصا أن بيوتهم كانت خالية آنذاك من المراوح. كما كان حاضرا في مناسبات عامة أخرى كثيرة مثل مناسبة وصول حاكم البحرين وتوابعها الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة -رحمه الله- إلى الكويت بحرا في الخامس من أبريل 1949، ومناسبة زيارة رئيس وزراء لبنان صائب سلام للكويت في يناير 1952 التي تخللها حفل أقامته دائرة المعارف وكان الشيخ عبدالله في مقدمة المدعوين، ومناسبة زيارة الوصي على عرش العراق الأمير عبدالإله بن علي سنة 1952 التي كان الشيخ عبدالله ضمن مستقبليه إلى جانب الحاكم الشيخ عبدالله السالم الصباح وكبار الشيوخ، ومناسبة عودة الشيخ عبدالله الجابر الصباح إلى بلاده في مايو 1952 بعد رحلة علاجية طويلة في الهند حيث كان في استقباله إلى جانب أميري الكويت الراحلين الشيخ صباح السالم الصباح والشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، ومناسبة قيام رئيس الخليج بتقليد الشيخ عبدالله السالم الصباح وساما بريطانيا رفيعا في حفل أقيم بقصر نايف في عام 1953، ومناسبة احتفاء النادي الأهلي الكويتي والنادي القومي ببعثة دار المعلمين الابتدائية العراقية الزائرة في عام 1953، ومناسبة الاحتفاء ببعثة الشرف المصرية برئاسة البكباشي محمد كمال عبدالمجيد التي رافقت الشيخ عبدالله الجابر الصباح في عودته إلى الكويت بعد رحلة رسمية ناجحة إلى مصر عام 1954، حيث استقبل الشيخ عبدالله البعثة بمكتبه وأقام لها حفلا تكريميا دلل بها على محبته لمصر واهتمامه بتوثيق العلاقات معها. هذا ناهيك عن حضوره مباريات كرة القدم ومنها مباراة هامة أقيمت عام 1954 على ملعب المعارف بمنطقة شرق بين فريق منتخب الكويت وفريق نادي الحبارى بميناء الأحمدي التابع لشركة نفط الكويت.
الاهتمام الداخلي
ولم يجد الدكتور الغنيم ما يفيد بأن الشيخ عبدالله قام برحلات كثيرة إلى خارج بلاده، خلافا لمعاصريه من الشيوخ والمسؤولين، لأن جل اهتمامه كان مصوبا نحو الداخل ومحصورا بترسيخ مظاهر الأمن والأمان فيه. لكن الغنيم عرف من خلال أحد أعداد مجلة «البعثة»، التي كان يصدرها طلبة الكويت في مصر منذ عام 1946 وكانت تصل إلى الكويت وتباع فيها للجمهور بثمن بخس مقداره 8 آنات (نصف روبية)، أن الشيخ عبدالله الأحمد قام برحلة إلى الرياض بمعية الشيخ عبدالله السالم الصباح في ديسمبر 1954؛ أي في أوائل عهد المغفور له الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله.
أبرز ما اشتهر فيه:
اكتسب شهرة مدوية لجهة تطبيق أحكام القانون بحزم
يلجأ أصحاب الخلافات إلى حل نزاعاتهم قبل الوصول إليه
حزمه كان سببا في خوف اللصوص من قصاصه
المحلات التجارية
كانت تترك أبوابها مفتوحة
عن حياته العائلية، تزوج الشيخ عبدالله 4 مرات؛ 3 منها من خارج الأسرة الحاكمة، ورزق بالعديد من البنين والبنات، لكن ولده البكر هو الشيخ مبارك عبدالله الأحمد الجابر المولود سنة 1932، وهذا خلف والده بعد وفاته سنة 1957 فصار نائبا لرئيس الأمن العام لفترة قصيرة. ونظرا للكفاءة والجدية التي أبداها في بداية مساره العملي هذا، اختاره الشيخ عبدالله السالم الصباح ليقود دائرة البرق والبريد والهاتف في 17 فبراير 1959، أي قبل استقلال البلاد بعامين، فكان اختياره نعم الاختيار. إذ شمر عن ساعديه وقام بأعمال مشهودة في زمن كان قطاع الاتصالات يشكو من العجز عن مواكبة الطفرة التنموية التي كانت تعيشها الكويت، الأمر الذي أثمر عن انتشار الخدمات الهاتفية ومكاتب البريد في كل أرجاء الكويت مع تطوير وتحسين عملها، وبالتالي تسميته بـ«رجل المرحلة».
ثم تم توزيره في عام 1962 في أول حكومة كويتية بعد الاستقلال برئاسة أمير الكويت السابق الشيخ صباح السالم الصباح، حيث عهدت إليه مسؤوليات حقيبة البرق والبريد والهاتف (وزارة المواصلات لاحقا). وبعد انتخابات مجلس الأمة الأول عام 1963 تشكلت حكومة جديدة برئاسة الشيخ صباح السالم الصباح أيضا في 28 يناير 1963 فتم تعيينه وزيرا للإرشاد والأنباء (الإعلام حاليا) فظل ممسكا بها حتى 29 ديسمبر من العام نفسه وهو تاريخ استقالة الحكومة. بعد ذلك تم تكليفه بحقيبة وزارة الدولة لشؤون مجلس الوزراء لغاية 30 نوفمبر 1964، حينما قدم استقالته ليتفرغ لأعماله الخاصة. وبذلك اعتزل الحياة السياسية بعد أن أدى خدمات جليلة لوطنه على مدى سنوات، منها مساهمته في سن التشريعات المهمة مثل قانون الانتخاب بحكم عضويته في المجلس التأسيسي الذي سن الدستور، ومنها أيضا قيامه بتطوير وتحديث شبكة الاتصالات الهاتفية عبر الاستعانة بالشركات الأجنبية المتخصصة زمن قيادته وزارة البرق والبريد والهاتف. علما بأن الشيخ مبارك تزوج من الشيخة زكية عبدالله الجابر الصباح ورزق منها 3 بنات و6 أبناء. يقول عنه الدكتور غنيم الذي عمل تحت قيادته في وزارة الإرشاد والأنباء ما مفاده أنه وكل مرؤوسيه صدموا يوم استقالته وأسفوا على قراره لأنهم وجدوا فيه وزيرا حكيما ورجلا نبيلا، مضيفا: «لقد ترك هذا الرجل النبيل عمله في الحكومة، ولكنه بقي في قلوب الناس وأذهانهم، وكلما طرأت الحاجة إلى شخص يحمل عبئاً من أعباء العمل الحكومي تذكروا الشيخ مبارك العبدالله الأحمد الجابر ثم قالوا: هذا يوم من أيامه، كما يقولون ذلك عن والده».
وأخيرا فقد قامت وزارة التربية والتعليم الكويتية بإطلاق اسم الشيخ عبدالله الأحمد الجابر الصباح على مدرسة ثانوية للبنين في ضاحية جابر العلي في محافظة الأحمدي (افتتحت المدرسة في العام الدراسي 1989/ 1990)، كما قامت بلدية الكويت بإطلاق اسمه على شارع من شوارع العاصمة.
يعتبر الأمن العام ركيزة أساسية لاستقرار الدول والمجتمعات، وغاية سعت إليها مختلف الأمم والحضارات على مر العصور، فبدونه لا تتحقق غايات الأمم في النهوض والتطلع إلى المستقبل واستمرارية الحياة الهانئة بعيدا عن الفوضى والاختلال، ويصبح الخوف والقلق مسيطرا على المجتمعات ومقيدا لإطلاق الأفراد والجماعات ملكاتهم ومهاراتهم والاستخدام الأمثل لطاقاتهم. وبعبارة أخرى فإن الأمن يمثل أحد المقومات الأساسية لنجاح عملية النمو والارتقاء والازدهار لأنه يخلق ظروفا آمنة تتيح للأفراد والجماعات الشروع في عملية البناء والتطوير، ولا يعرف قيمته وأهميته إلا من فقده.
في هذا المبحث نتناول سيرة أحد رجالات الأمن الأوائل في الكويت ممن يتذكره الكويتيون إلى وقتنا الحاضر؛ لأنه أرسى دعائم الأمن في بلادهم في بدايات نشوء الكويت كدولة، ونعني بهذه الشخصية الأمنية المغفور له الشيخ عبدالله الأحمد الجابر الصباح؛ النجل الأكبر لحاكم الكويت العاشر الشيخ أحمد الجابر الصباح الذي حكم من 23 مارس سنة 1921 حتى تاريخ وفاته في 29 يناير سنة 1950، من زوجته الأولى حصة إبراهيم الغانم، وهو الأخ الأكبر غير الشقيق لأصحاب السمو الشيخ جابر الأحمد والشيخ صباح الأحمد والشيخ نواف الأحمد أمراء دولة الكويت.
التعليم في الكتاتيب
ولد الشيخ عبدالله بمدينة الكويت في عام 1905، وقيل قبل ذلك في عام 1903، وتوفي في 28 يناير سنة 1957، فلم يشهد استقلال بلاده الناجز. أما دراسته فقد كانت في الكتاتيب التقليدية أو ما يُعرف في العامية المحلية باسم «المطوع»، شأنه في ذلك شأن بقية أقرانه في تلك الحقبة المبكرة، حيث حفظ القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة والحساب. وفي شبابه شارك في غالبية معارك الدفاع عن الكويت ومنها معركة الرقعي التي دارت رحاها في يناير من عام 1928 بين قوات والده ومجموعة من قوات الإخوان البدو.
في عام 1938 عين مسؤولاً عن الأسلحة بقصر نايف التاريخي الذي بني على صهيد نايف في عام 1919 في عهد الشيخ سالم المبارك الصباح -رحمه الله- ولا يزال قائما حتى اليوم ويستخدم كمبنى لمحافظة العاصمة. وبسبب مسؤوليته عن السلاح ارتبط اسمه بالأمن العام، خصوصا بعد أن تولى رئاسة هذا الجهاز الحساس في أربعينات وخمسينات القرن الماضي قبل أن يُدمج الأمن مع الجيش ويعهد بقيادتهما إلى الشيخ عبدالله المبارك الصباح، إضافة إلى منصب الأخير كنائب للحاكم الشيخ عبدالله السالم الصباح طوال عقد الخمسينات وحتى استقالته في أبريل 1961 ومغادرته البلاد. علما بأنه بعد أن آلت مسؤوليات الأمن إلى الشيخ عبدالله المبارك تم تعيينه نائبا لرئيس دائرة الأمن العام، فواصل انخراطه في كل ما يتعلق بحفظ الأمن واستتباب النظام.
شهرة تطبيق القانون
اكتسب شهرة مدوية بين الكويتيين والوافدين لجهة تطبيق أحكام القانون بحزم وعدالة ودون هوادة إلى درجة أن أصحاب القضايا والخلافات كانوا يلجأون إلى حل نزاعاتهم قبل الوصول إلى بابه. كما أن حزمه كان سببا في خوف اللصوص من قصاصه، ما جعل الأمن مستتبا لدرجة أن المحلات التجارية كانت تترك أبوابها مفتوحة في أوقات الصلاة وتناول الطعام، وكذا الحال مع المنازل التي لم تكن تتشدد في إحكام غلق أبوابها. لذا فلا غرو لو كتب بعض الأقلام الكويتية اليوم متحسرا على زمنه على نحو ما فعله الكاتب محمد الجمعة في صحيفة الرأي (29/3/2021) بعد أن استفحلت -حسب قوله- ظواهر خرق القانون في النظافة والمرور والتعدي على الأرواح والأملاك العامة دون وازع. وعلى نحو ما فعله قبل ذلك زميله الكاتب جاسم محمد كمال في صحيفة الوطن (18/4/2018) حينما أشار إلى حادثة سرقة مخازن الذخيرة التابعة لوزارة الداخلية بكاظمة في ليلة مظلمة من ليالي أبريل 2013 قبل أن يقول إنه «بات لزاما علينا هذه الأيام ونحن نعيش تردي الوضع الأمني بالبلاد أن نستذكر ونترحم على الشيخ عبدالله الأحمد الجابر الصباح (......) وحزمه في تطبيق القانون مما أدى إلى انخفاض معدل الجرائم في تلك الفترة من تاريخ الكويت»، مضيفا: «ويحكى عن حكمته الأمنية بأنه في فترة توليه للأمن العام بالكويت سُرق عدد من المحلات بالسوق وكسرت أبواب المحلات المسروقة بطريقة واحدة، فأخذ أسماء من دخل الكويت قبل هذه السرقات وجمع كل من يعمل بمهنة الحدادة وسألهم عن رجل طلب منهم صنع حديدة كبيرة تكسر بها الأبواب، فتعرف الحدادون على المجرم الزائر للكويت الذي سرق هذه المحلات قبل أن تمر عليه 72 ساعة».
السن الذهبية
ومن القصص الأخرى التي رويت عنه وبرهنت على تنفيذه عهدا قطعه على نفسه «بمساعدة الضعيف والفقير حتى يأخذ حقه» أن أحد الدائنين اشتكى عنده ضد أحد المدينين، طالبا من الأخير سداد ما عليه، فأرسل الشيخ عبدالله في إحضار المدين، وحينما حضر أمامه بادره بسؤال عن أسباب عدم سداد ما عليه، فرد قائلا إنه معسر وليس لديه مال، وبينما يتحدث لاحظ الشيخ أن أحد أسنانه من الذهب، فأمر بخلع سنه الذهبية وإعطائها للدائن قائلا: «ما يصير أنت مديون وتحمل الذهب في فمك». عندها فقط صاح صاحب السن قائلا: «يا طويل العمر، أمهلني يوما واحدا حتى أتدبر أمري» فوافق الشيخ بعد موافقة الدائن وأطلق سراحه وتمت التسوية في اليوم التالي. وهذه الحكاية تبين بجلاء ما كان يتمتع به صاحبنا من فطنة وذكاء ومعرفة بنفوس المخالفين.
البطش بالمجرمين
ويتذكر كبار السن كيف كانت تقام عملية عقاب المجرمين في الساحة المقابلة لقصر نايف وكيف كان المجرم يجلد بخيزرانة منقعة بالماء والملح حتى يكون مفعولها أكثر ألما. كما أنهم يتذكرون «حجرة النمل» في قصر نايف وهي حجرة قيل إنها أعدت خصيصا لحجز المجرمين فيها حتى يقروا بالذنب.
وعلى الرغم من وصف البعض له بالمسؤول الباطش، إلا أن بطشه -إنْ صح التعبير- لم يكن إلا بحق اللصوص والمجرمين ومتجاوزي القانون، وهو ما هيأ للبلاد أجواء آمنة ومطمئنة وهي تعبر منعطفا مفصليا في تاريخها، ونعني بذلك فترة انتقال الكويت إلى اقتصاد النفط وما صاحبها من توسع وازدهار وتغير في أنماط المعيشة والسلوكيات الاجتماعية وازدياد في أعداد الوافدين والغرباء. أما خلاف ذلك فقد كان الشيخ عبدالله رجلا حنونا متواضعا محبا للخير، قريبا من الصغير قبل الكبير ومن الفقير قبل الغني.
سور الكويت الثالث
لم يُكتب الكثير عن الرجل على الرغم من دوره آنف الذكر، فكل ما هو موجود لا يتعدى الإشارة إلى اسمه في مؤلفات متفرقة مثل ورود ذكره في كتاب «التحفة النبهانية» للشيخ محمد بن خليفة النبهاني، وذلك في معرض حديث المؤلف عن قصر نايف وبوابات سور الكويت. غير أن الباحث المجتهد الدكتور يعقوب يوسف الغنيم خصه بمقالات في الصحافة الكويتية منها مقاله في جريدة الوطن (6/4/2011) الذي ورد فيه أن الشيخ عبدالله كان معارضا بقوة لقرار بلدية الكويت بهدم سور الكويت الثالث الذي بني عام 1920 بسبب التوسع العمراني الكبير، وذلك من منطلق أن السور جزء من الأمن ولا يجوز تعريض البلاد للخطر مهما تقدم الزمان وتغيرت الظروف، وإنْ لم يعد ذا قيمة دفاعية كما كان عندما تم إنشاؤه، ولكنه رمز وصفحة من صفحات تاريخ الكويت. وأضاف الغنيم أن هدم السور توقف نتيجة معارضته ولم ينفذ إلا بعد وفاته، وكأنما بلدية الكويت كانت تنتظر رحيله «حتى تقوم بما لم تستطع القيام به حين كان حيا يأمر وينهى».وجه مألوف في المناسبات الاجتماعية
ومما أخبرنا به أيضا أن الشيخ عبدالله، إضافة إلى عمله الأمني، كان ينوب عن الشيخ عبدالله الجابر الصباح في رئاسة دائرة معارف الكويت ودائرة الأوقاف العامة حينما يكون الأخير غائبا عن البلاد، ويقوم بمهامهما بجد ونشاط وإخلاص بما في ذلك حضور المناسبات التربوية والدينية ذات الصلة بالدائرتين.
كان الشيخ عبدالله -طبقا للغنيم واستنادا إلى ما وثقته المجلات الكويتية القديمة مثل مجلة «البعثة» ومجلة «الرائد»- حريصا على التواجد في مختلف المناسبات الرسمية المهمة، فقد حضر، على سبيل المثال، مناسبة التجديد الكامل لمسجد الساير الشرقي في فريج الشاوي في فبراير 1955 وصلى فيه مع جموع المصلين الذين سروا بالتجديد وبتركيب المراوح الكهربائية به، ما جعل الكثيرين يبقون في المسجد في فترة الظهيرة للاستفادة من هوائه البارد، خصوصا أن بيوتهم كانت خالية آنذاك من المراوح. كما كان حاضرا في مناسبات عامة أخرى كثيرة مثل مناسبة وصول حاكم البحرين وتوابعها الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة -رحمه الله- إلى الكويت بحرا في الخامس من أبريل 1949، ومناسبة زيارة رئيس وزراء لبنان صائب سلام للكويت في يناير 1952 التي تخللها حفل أقامته دائرة المعارف وكان الشيخ عبدالله في مقدمة المدعوين، ومناسبة زيارة الوصي على عرش العراق الأمير عبدالإله بن علي سنة 1952 التي كان الشيخ عبدالله ضمن مستقبليه إلى جانب الحاكم الشيخ عبدالله السالم الصباح وكبار الشيوخ، ومناسبة عودة الشيخ عبدالله الجابر الصباح إلى بلاده في مايو 1952 بعد رحلة علاجية طويلة في الهند حيث كان في استقباله إلى جانب أميري الكويت الراحلين الشيخ صباح السالم الصباح والشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، ومناسبة قيام رئيس الخليج بتقليد الشيخ عبدالله السالم الصباح وساما بريطانيا رفيعا في حفل أقيم بقصر نايف في عام 1953، ومناسبة احتفاء النادي الأهلي الكويتي والنادي القومي ببعثة دار المعلمين الابتدائية العراقية الزائرة في عام 1953، ومناسبة الاحتفاء ببعثة الشرف المصرية برئاسة البكباشي محمد كمال عبدالمجيد التي رافقت الشيخ عبدالله الجابر الصباح في عودته إلى الكويت بعد رحلة رسمية ناجحة إلى مصر عام 1954، حيث استقبل الشيخ عبدالله البعثة بمكتبه وأقام لها حفلا تكريميا دلل بها على محبته لمصر واهتمامه بتوثيق العلاقات معها. هذا ناهيك عن حضوره مباريات كرة القدم ومنها مباراة هامة أقيمت عام 1954 على ملعب المعارف بمنطقة شرق بين فريق منتخب الكويت وفريق نادي الحبارى بميناء الأحمدي التابع لشركة نفط الكويت.
الاهتمام الداخلي
ولم يجد الدكتور الغنيم ما يفيد بأن الشيخ عبدالله قام برحلات كثيرة إلى خارج بلاده، خلافا لمعاصريه من الشيوخ والمسؤولين، لأن جل اهتمامه كان مصوبا نحو الداخل ومحصورا بترسيخ مظاهر الأمن والأمان فيه. لكن الغنيم عرف من خلال أحد أعداد مجلة «البعثة»، التي كان يصدرها طلبة الكويت في مصر منذ عام 1946 وكانت تصل إلى الكويت وتباع فيها للجمهور بثمن بخس مقداره 8 آنات (نصف روبية)، أن الشيخ عبدالله الأحمد قام برحلة إلى الرياض بمعية الشيخ عبدالله السالم الصباح في ديسمبر 1954؛ أي في أوائل عهد المغفور له الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله.
أبرز ما اشتهر فيه:
اكتسب شهرة مدوية لجهة تطبيق أحكام القانون بحزم
يلجأ أصحاب الخلافات إلى حل نزاعاتهم قبل الوصول إليه
حزمه كان سببا في خوف اللصوص من قصاصه
المحلات التجارية
كانت تترك أبوابها مفتوحة