مقالة ومقابلة ألقتا الضوء على مزيد من الجوانب الخفية للأزمة الصحية العالمية، الناجمة عن فايروس كورونا الجديد. فقد أجرت صحيفة «الأوبزيرفر» الأسبوعية البريطانية مقابلة مع مدير شبكة مختبرات لايتهاوس البريطانية البروفسور كريس مولوي، الذي اعتبر أن سنتي عمليات الفحوص التي نفذت على نطاق شعبي واسع مهدتا الطريق إلى حدوث ثورة تتعلق بكيفية تشخيص الأمراض الأخرى. وقال إن تعوُّد الناس على استخدام المسحات الخاصة بفحص كوفيد-19 يعني أنهم يستطيعون أن يكتشفوا ويراقبوا مخاطر إصابتهم بحالات مرضية أخرى، كالسكّري، ومرض القلب. وتنبع أهمية حديث البروفسور مولوي من أنه أسس شبكة مختبرات لايتهاوس، التي استخدم 7 منها في تحديد نتائج نحو 207 ملايين فحص PCR في بريطانيا أثناء الأزمة الوبائية. ويذكر أن الحكومة البريطانية قررت في أول أبريل الجاري التوقف عن تقديم خدمات فحص كوفيد مجاناً، في نطاق ما سماه وزراؤها «إستراتيجية التعايش مع كوفيد». وأدى ذلك إلى التخلي عن البرامج الخاصة بمراقبة تفشي الفايروس، ونظام الأبحاث الذي أنشئ لتتبع تطور الأزمة الصحية. وقام البروفسور مولوي بتأسيس شبكة مختبرات لايتهاوس على أنقاض نظام المختبرات العمومية التابعة للخدمة الصحية الوطنية، الذي واجه سلسلة من عمليات خفض النفقات، التي أودت به في نهاية المطاف. ويبحث أكثر من ألف عالم بريطاني كانوا يعملون في المختبرات الحكومية عن وظائف حالياً! وقال مولوي إنه كان يأمل بأن تهتم حكومة البلاد بوضع أساس للقطاع التشخيصي في المملكة المتحدة. لكنه يرى أنه ينبغي الآن الإفادة من تجربة إرسال الفحوص إلى السكان في منازلهم عن طريق البريد، ليقوموا بالفحص في منازلهم، ومعرفة النتيجة. وهو ما أدى بدوره إلى تغيير السلوك الصحي الفردي، بحيث أضحى الفرد أكثر وعياً بالمخاطر الصحية التي يمكن أن تدهمه. وأضاف أن العناية بالمختبرات التشخيصية يمكن أن تساعد في مكافحة الأمراض المزمنة. وأضاف أن شخصاً من كل ثلاثة بالغين في بريطانيا يعاني من حالة مرضية، كمرض الكلى، أو فشل القلب، أو السكري. وزاد أن الإصابة بحالتين مزمنتين في خريف العمر تضاعف خطر الإصابة بالخَرَف. وأضاف البروفسور مولوي أنه إذا أريدت معالجة مسألة الإصابة بأمراض مهلكة، وبأمراض لها صلة بالشيخوخة، فيجب البدء بالأشخاص الذين هم في العقد الثالث والرابع والخامس من أعمارهم، وليس تركيز العناية على المسنين. وقال إن الوقت الراهن هو الأنسب لتشجيع السكان على العناية بصحتهم بأنفسهم، من خلال استخدام أجهزة التشخيص الحديثة في منازلهم، أو في الصيدليات التجارية، بحيث يمكن للفرد أن يدرك وضعه الصحي، ولكي يصبح بمستطاعه تفادي الإصابة بمرض مزمن، بدلاً من أن يقتصر الأمر على تركه ليصاب بالمرض، ثم تنبري الدولة لعلاجه. وزاد أنه ينبغي استغلال الدروس التي تعلمها الناس والعلماء من وباء كوفيد لتطبيق مفهوم التشخيص الحديث على بقية الأمراض، التي تهدد حياة الإنسان.
أما المقالة فكتبتها العالمة البريطانية البروفسور ديفي سريدار، رئيسة شعبة الصحة العامة بجامعة أدنبرة الأسكتلندية، ونشرتها صحيفة «الغارديان» تحت عنوان «مناعة القطيع تبدو مستحيلة الآن.. مرحباً بعصر الإصابة الثانية بكوفيد». وبدأت بالقول إن الفايروس أضحى جزءا لا يتجزأ من عالمنا. لكن هناك خطوات يمكن اتباعها لإبقائه بعيداً عن البشر الذين يحاولون التعايش معه. وأشارت إلى أنه قبيل ظهور لقاحات كوفيد-19 اعتقدت حكومات دول عدة، منها السويد، وبريطانيا، وهولندا، أن أفضل طريق لتجاوز الأزمة الصحية العالمية يتمثل في السماح للفايروس بإصابة أكبر عدد ممكن من السكان، خصوصاً الشباب والأصحاء، بحيث يمكن التوصل إلى قدر من المناعة الطبيعية ضد الفايروس. وكانت القناعة الكامنة وراء ذلك أن «القطيع» الذي تمت إصابته سيحمي الأقلية القابلة للمرض الشديد والوفاة. وأشارت إلى أن فكرة «مناعة القطيع» نجمت أصلاً عن استخدام عدد من اللقاحات التي تعطى للأطفال، ضد الحصبة، والنكاف، والحصبة الألمانية، بحيث تمكن حماية من لا يمكن تطعيمهم بتلك اللقاحات لأسباب تتعلق بحالاتهم المرضية.
وأوضحت البروفسور سريدار أنه إذا أدت الإصابة بكوفيد-19 لمناعة تدوم طول العمر، فمعنى ذلك أن تحقق «مناعة القطيع» ممكن. وعلى ذلك كان يفترض أن يتم استئصال الفايروس تماماً من الدول الغنية، لأن متوسط وجود الأجسام المضادة لدى سكان تلك الدول يفوق 90%، أو 98% كما هي الحال في بريطانيا. غير أن الواقع شيء مختلف تماماً. فقد بدأت تكثر ظاهرة الإصابة الثانية بعد التعافي من الإصابة الأولى. كما أن ظهور سلالة أوميكرون القادرة على تقليص فعالية اللقاحات يعني أن تحقيق «مناعة القطيع» مستحيل تماماً، حتى لو ارتفع مستوى وجود الأجسام المضادة لدى السكان إلى 100%. غير أن سريدار رأت أن ظهور اللقاحات المناهضة لكوفيد-19 أدى إلى تقليص قدرة الفايروس على التسبب بالوفاة، وبالتالي على قدرته على إلحاق أكبر قدر من الضرر بالمنظومات الصحية للدول. لكنها حذرت من أن كوفيد-19 لم يصل بعد إلى مرحلة تتيح التعامل معه كأنه نزلة برد عادية. فهو لا يزال قادراً على زيادة وطأة المرض على المصاب إلى درجة أنه قد لا يستطيع الذهاب إلى عمله. ودعت إلى تجهيز خطط وافية لمواجهة أي تطور وراثي يتعرض له الفايروس، بظهور سلالات أشد خطورة. وقالت إن الاستمرار في الفحوص السريعة النتائج، والتمسك بارتداء الكمامة، والعناية بالأبحاث المتعلقة بألغاز الإصابة بما يعرف بـ«كوفيد المزمن»، يمكن أن تكون مفاتيح مهمة لمواجهة الخطر الوبائي.
توصلت دراسة أجراها علماء جامعة تورونتو الكندية إلى أن وفيات كوفيد-19 خلال عطلة نهاية الأسبوع ترتفع أكثر منها خلال أيام الأسبوع العادية. وذكر الباحثون أنهم يقبلون أن تأخير بلاغات الوفاة خلال عطلة نهاية الأسبوع قد يكون أحد الأسباب وراء تلك الظاهرة. لكنهم أضافوا أن نقص عدد الكوادر الصحية في نوبات العمل نهاية الأسبوع يقوم بدور في زيادة الوفيات. وأشارت الدراسة الى أن عدد الوفيات بكوفيد-19 على مستوى العالم يزيد بنسبة 6% خلال عطلات نهاية الأسبوع، مقارنة ببقية أيام الأسبوع. وأوضحوا أنهم أقاموا دراستهم بناء على أرقام الوفيات التي تلقوها من منظمة الصحة العالمية خلال الفترة من 7 مارس 2020 إلى 7 مارس 2022. وحذروا من أن المشكلة لا تزال قائمة، على رغم تحسن أداء المنظومات الصحية، وارتفاع الوعي في أتون النازلة. وتشير الدراسة إلى أن متوسط وفيات كوفيد في الولايات المتحدة بلغ 1483 خلال عطلة نهاية الأسبوع، مقارنة بـ 1220 وفاة خلال بقية أيام الأسبوع. وفي البرازيل بلغت 1061 وفاة في نهاية الأسبوع، في مقابل 823 وفاة خلال بقية الأيام.