المعروف أن الحركة الكشفية وأهدافها وبرامجها تأسست على يد الضابط البريطاني روبرت سميث بادن باول (ت: 1941) عام 1910، فانتشرت في أنحاء العالم كمنهج يستهدف تربية الشباب وتوجيههم وتأهيلهم وغرس الثقة وحب الخير في نفوسهم ليكونوا أنقياء وأقوياء ومحبين لأوطانهم ومجتمعاتهم.
ويعتبر لبنان أول بلد عربي تأسست فيه الحركة الكشفية وذلك في عام 1912، على يد رجل الأعمال الشيخ محمد توفيق الهبري، الذي أسس مدرسة إسلامية في بيروت حملت اسم «دار العلوم» في عام 1327 للهجرة، وولى قيادتها لمسلم هندي اسمه «محمد عبدالجبار خيري». وفي عام 1331 للهجرة سافر الأخير إلى أوروبا على نفقة المدرسة للتخصص في مجال التربية والتعليم، فاسترعت انتباهه هناك نشأة الحركة الكشفية، فاستهوته وأُعجب بتعاليمها وأهدافها النبيلة، ما جعله بعد عودته يؤسس أول فرقة كشفية في لبنان سنة 1912 تحت اسم الكشاف العثماني، وهو الاسم الذي تغير إلى الكشاف السوري (كانت سوريا تشكل بلداً واحداً مع لبنان آنذاك)، ثم إلى الكشاف المسلم، واتخذ من جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت مقراً له. وفي عام 1928 انفصلت كشافة سوريا عن لبنان. وتعتبر كشافة لبنان الأولى عربياً لجهة نيل الاعتراف الدولي والمشاركة في المؤتمر الكشفي العالمي (فيينا 1947).
حركات كشفية عربية
بعد ذلك تأسست حركات كشفية مماثلة في مصر على يد الأمير عمر طوسون (1914)، والعراق (1915)، والسودان (1916)، والأردن (1923)، وعدن (1927)، وتونس (1933)، والمغرب (1946)، وليبيا (1954). ومما يجدر بنا الإشارة إليه في هذا السياق أن أول فرقة كشفية فلسطينية تشكلت عام 1918 في مدرسة سان جورج بالقدس، قبل أن يتوالى تشكيل مثيلاتها في مختلف المدن الفلسطينية ما بين عامي 1919 و1921.
أما على صعيد دول الخليج العربية، فقد كانت البحرين أول بلد خليجي تؤسس فيه فرقة كشفية وذلك في عام 1927 حينما أنشئت فرقة كشفية بالمدرسة الغربية (مدرسة أبوبكر الصديق حالياً) على يد المدرسين العرب، أعقبتها فرقة مماثلة بمدرسة الهداية الخليفية بالمحرق، وفي مطلع الخمسينات قررت دائرة المعارف أن تعهد إلى مراقب التربية البدنية الإشراف على الحركة الكشفية وترسيخ قواعدها وتنظيم شؤونها بعد الإقبال الكبير من الطلبة والمدرسين على الانخراط بها، ليتم إصدار قانون بشأنها من الحكومة في عام 1968، ثم ليتم الاعتراف دولياً بها في عام 1970. وعرفت سلطنة عمان الكشافة عام 1932 حينما تأسست أول فرقة كشفية بها في المدرسة السلطانية بمسقط، قبل أن تعرف حركة كشفية واسعة ومنظمة وتنال الاعتراف الدولي في منتصف سبعينات القرن الماضي. أما الكويت فقد عرفت العمل الكشفي عام 1936 من خلال المدرسة المباركية التي احتضت أول فرقة كشفية من 12 كشافاً كان بينهم الأميران الراحلان الشيخ جابر الأحمد الصباح والشيخ سعد العبدالله السالم الصباح وبعض إخوانهما الشيوخ.
1961 أول جمعية كشفية سعودية
تلت الكويت المملكة العربية السعودية التي عرفت الكشافة من خلال مدرسة تحضير البعثات والمعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة وذلك في مطلع أربعينات القرن العشرين، علماً بأن الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه كان قد أُعجب بفكرة الكشافة وأهدافها وطلب دراسة إمكانية نشرها منذ منتصف ثلاثينات القرن العشرين. وفي عام 1961 أصدر الملك سعود بن عبدالعزيز مرسوماً بتأسيس أول جمعية كشفية سعودية، وكان أول رؤسائها هو الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ. وقد نالت الجمعية الاعتراف الدولي عام 1963.
أما قطر فقد جاءت خامساً، إذ عرفت الفرق الكشفية المدرسية لأول مرة عام 1956، ثم نالت جمعيتها الكشفية الاعتراف الدولي سنة 1965. وبالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، فإن بعض إماراتها، وتحديداً الشارقة ورأس الخيمة، عرفت الكشافة منذ عام 1957، لكن جمعيتها الكشفية على المستوى الاتحادي لم تظهر إلا بعد قيام الدولة الاتحادية، وتحديداً في عام 1972 ثم نالت الاعتراف الدولي عام 1977.
«بادن باول السعودية»
ما سبق كان توطئة للحديث عن أحد رواد العمل الكشفي في المملكة العربية السعودية، ممن عشق الحركة الكشفية وآمن بأهدافها منذ صباه وشبابه، فقضى عمراً يعيش في دهاليزها ويتابع أخبارها ويشارك في مؤتمراتها ويمنحها جلّ جهده وطاقته واهتمامه حتى استحق لقب «بادن باول السعودية» على غرار «بادن باول العرب»، وهو اللقب الذي أُطلق على المصري عزيز عثمان بكير الأمين العام السابق لمنظمة الكشافة العرب.
المقصود بهذا الكلام هو الرائد عباس عبدالله عباس حداوي، ابن مكة المكرمة الذي لا يعد رمزاً كشفياً من رموز بلاده فحسب وإنما أيضاً رمزاً من رموزها الرياضية. ولمعرفة جهوده في مجال الرياضة والشباب نستعين بما كتبته صحيفة الرياض (3 / 11 / 2006) عنه، وفيه أن حداوي أشرف على تدريب فريق كرة القدم بالمدرسة النموذجية للأمراء في الطائف في أواخر أربعينات القرن العشرين، وساهم في تأسيس نادي الكواكب الرياضي بالطائف، بل كان ينظم ويشرف على مبارياته مع فرق البوارج البريطانية الزائرة لميناء جدة، وساهم في إقامة دورات في تحكيم كرة القدم خلال عطلات المدارس الصيفية في الخمسينات، ولقيت اهتمام وزارة المعارف إبان حمل الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز حقيبتها، كما ساهم في إنشاء العديد من اللجان والإدارات الرياضية وإدارتها من خلال عضويته فيها، مع تبنيه الكثير من الأفكار والابتكارات التطويرية للمجال الرياضي بصفة عامة.
ومما يذكر له أيضاً جهوده في الأحداث والمناسبات التالية: افتتاح معهد التربية الرياضية المتوسط في الرياض بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من معلمي التربية البدنية السعوديين، برامج إرسال البعثات الدراسية الرياضية والفنية إلى الخارج لنيل درجتي البكالوريوس والماجستير، إنشاء مسابقة ألعاب القوى الشتوية، عملية تسجيل الأندية الرياضية ودمج بعضها، إعداد مسابقة الدوري العام لكرة القدم مع منع إشراك اللاعبين غير السعوديين، تنظيم أول دوري كرة قدم على مستوى المملكة بين أندية المناطق الوسطى والغربية والشرقية، إقامة بطولة المنتخبات على كأس ولي العهد.
ولد عباس حداوي في مكة المكرمة عام 1346 للهجرة، ودرس في مدارس مكة والطائف ثم التحق بمدرسة تحضير البعثات التي أسسها الملك عبدالعزيز سنة 1937 في مكة لتدريس الطلبة المرحلة الثانوية وإعدادهم للسفر إلى الخارج (تحديداً مصر) لنيل الشهادة الجامعية. وإبان دراسته في هذه المدرسة التحق حداوي بثاني وحدة كشفية التي أسسها المربي عمر عبدالجبار (ت: 1971).
الابتعاث في مصر
بعد تخرجه من مدرسة تحضير البعثات تمّ ابتعاثه إلى مصر، فدرس هناك في المعهد العالي للتربية الرياضية، وانخرط مع جوالة المعهد فتشرب المفاهيم والأهداف الكشفية بشغف. وحينما عاد إلى بلاده بعد سنوات دراسته في مصر تمّ تعيينه موجهاً للتربية الكشفية بوزارة المعارف السعودية، ثم تمّ تكليفه بالإشراف على إدارة التربية الكشفية، فبقي ممسكاً بهذه الوظيفة على مدى 22 عاماً، وفي أعقاب تأسيس أول جمعية كشفية سعودية عام 1961، ونيلها الاعتراف الدولي عام 1963 خلال مشاركتها في الجامبوري الكشفي العالمي الحادي عشر الذي أقيم في اليونان عامذاك وافتتحه ولي عهد اليونان الأمير قسطنطين، تمّ تكليف حداوي ليكون - إضافة إلى عمله - مفوضاً دولياً لجمعية الكشافة العربية السعودية، حيث مارس هذه الوظيفة مدة 17 عاماً بدءاً من عام 1963. إلى ذلك تمتع حداوي بعضوية اللجنة الكشفية العربية لمدة 8 سنوات، حيث انتخب عضواً فيها لأول مرة لمدة 4 سنوات خلال المؤتمر الكشفي العربي السابع بطرابلس الغرب عام 1966، وانتخب عضواً للمرة الثانية ولمدة 4 سنوات أيضاً أثناء المؤتمر الكشفي العربي الحادي عشر في لبنان عام 1974.
قائداً لجوالة العالم العربي والإسلامي
وبحكم عمله ومناصبه الكشفية اختير قائداً عاماً للعديد من التجمعات الكشفية لجوالة العالم العربي والإسلامي ومنها: التجمع الكشفي الأول لجوالة العالم العربي والاسلامي (1964)، والتجمع الثاني (1966) الذي افتتحه ولي العهد الأمير / الملك خالد بن عبدالعزيز، والتجمع الثالث (1968)، الذي افتتحه الملك فيصل بن عبدالعزيز، والتجمع الرابع (1970) الذي افتتحه الملك فيصل أيضاً، والخامس (1972) الذي افتتحه الأمير / الملك فهد بن عبدالعزيز، والتجمع السادس (1974) الذي افتتحه أمير مكة المكرمة آنذاك الأمير فواز بن عبدالعزيز.
ويفتخر حداوي بشهادة المغفور له الملك فيصل رحمه الله، حيث قام بسؤال جلالته، عند افتتاحه التجمع الكشفي الثالث لجوالة العالم العربي والإسلامي بمكة سنة 1968 قائلاً: «طال عمرك لعلكم راضون عن الكشافة؟» فرد الملك بـ«يكفيكم يا بني فخراً أنه حضر عندكم كشافة من أكثر من 25 دولة إسلامية بينما في رابطة العالم الإسلامي لم يحضر هذا العدد».
قيادة البعثات الكشفية السعودية
إلى ما سبق، تولى حداوي قيادة البعثات الكشفية السعودية إلى مخيمات الكشافة العالمية والمؤتمرات الكشفية الدولية التي نجح من خلالها في إعطاء انطباع طيب عن الحركة الكشفية السعودية وجهودها، بفضل ما كان يتمتع به من حضور وبُعد نظر، وقوة إرادة، وحس تنظيمي. فقد قاد البعثة الكشفية السعودية إلى المخيم العالمي الحادي عشر في اليونان عام 1963 (شارك الكشافة السعوديون أثناء هذا المخيم في جميع المسابقات والأنشطة، وحصدوا عدداً من الجوائز وشهادات التقدير بفضل الإعداد المسبق الجيد في المعسكرات التمهيدية في الطائف، ما ساهم في حصولهم على الاعتراف العالمي بالتزكية)، والمؤتمر الكشفي العالمي التاسع عشر بجزيرة رودوس اليونانية في عام 1963، والمؤتمر الكشفي العالمي العشرين في المكسيك عام 1965، والمؤتمر الكشفي العالمي الثالث والعشرين في طوكيو عام 1971، والمؤتمر الكشفي العالمي الرابع والعشرين في نيروبي عام 1973، والمؤتمر الكشفي العالمي الخامس والعشرين في كوبنهاغن بالدنمارك عام 1975. علاوة على قيادته كشافة بلاده في المخيمات الكشفية العربية، مثل المخيم الكشفي العربي بالمغرب عام 1962 الذي افتتحه العاهل المغربي الراحل الملك محمد الخامس، حيث كانت تلك أول مشاركة للمملكة بعد حصول كشافتها على عضوية المنظمة الكشفية العربية، وفيه قاد حداوي وفداً رفيعاً مكوناً من القيادات الكشفية من أمثال: الدكتور زيد صالح، منصور شلبي، جبرين الجبرين، نبيل حسين، وعبدالله القناعي.
حداوي وشغف الكشافة
حصل حداوي على العديد من الجوائز خلال مسيرته الكشفية الطويلة تقديراً واعترافاً بجهوده في المجال الكشفي على المستويات السعودية والخليجية والعربية والإسلامية والعالمية. فقد حصل على قلادة الكشاف العربي في المؤتمر الكشفي العربي الثالث عشر في المحمدية بالمغرب عام 1978، وعلى وسام مجلس التعاون لدول الخليج العربي من الدرجة الأولى عام 1996، وعلى قلادة الاتحاد العربي لقدامى الكشافة عام 1998، كما منح القلادة الكشفية الفضية لجمعية الكشافة العربية السعودية عام 2005.
كتب عنه مبارك عوض الدوسري في صحيفة الجزيرة السعودية (14 / 5 / 2021) ما مفاده، أن حداوي لا يترك مناسبة إلا ويتحدث فيها عن مفهومه للكشافة وأنها «إعداد المواطن الصالح لنفسه ومجتمعه» وكيف أن كشاف الأمس كان «منهمكاً في العقد والربطات والدورات وكانت الهوايات لديه محدودة»، بينما كشاف اليوم المفترض فيه أن يكون أفضل من كشاف الأمس على اعتبار أن الإمكانيات المادية والتكنولوجية المتوفرة حالياً أكبر وأفضل مما كان متوفراً في الماضي. وأضاف الدوسري «من خلال علاقتي به في العديد من المناسبات وجدته يهتم كثيراً بالعمل الجماعي، ويؤدي دوره بنسق منظم قائم على أسس وقيم تنظيمية من أجل تقديم الأفضل، وضمان أن يكون العمل مؤسسياً ثابتاً محافظاً على تراكم الخبرات والتجارب والمعلومات بحيث لا تتأثر المنظومة بتغير القيادات الكشفية، وكان لا يحبذ تفرد القائد الكشفي بالقرارات المهمة دون مشورة، ويؤكد دائماً على أهمية الالتزام بالمبادئ الكشفية والقيم من خلال بنود القانون الكشفي».
ملامح كشاف اليوم النافع لمجتمعه
ويرى حداوي أن القائد الكشفي إذا كان على قدر من الإيمان والإخلاص والمعرفة بالعمل فإن كشاف اليوم سيصبح أفضل إذا استطاع أن يبلور الهوايات والبرامج المتجددة والمتطورة إلى سلوك اجتماعي نافع ومفيد، كما يؤكد أن «من أبرز مظاهر الحركة الكشفية (نظام الطلائع)، الذي يربي الشاب على القيادة والتبعية وتحمل المسؤولية فيتعلم كيف يأخذ ويعطي وكيف يعطي التعليمات عندما يكون عريفاً وكيف يستقبلها عندما يكون فرداً في الطليعة». ويرى أيضاً أن القائد يمكن أن يكون قائداً قدوة لكشافيه بسلوكه السليم القويم وبالالتزام بتعاليم دينه وتطبيق بنود الوعد والقانون على نفسه أولاً والالتزام بالوعد الكشفي، مكتسباً طاعة ومحبة وحدته بما يعده لهم من برامج تشبع رغباتهم وميولهم.
آخر وظيفة شغلها حداوي هو منصب مدير عام رعاية الشباب بوزارة المعارف، الذي تقاعد بعده عن العمل. وتقديراً لجهوده فقد تم تكريمه من قبل الأمير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز الرئيس العام لرعاية الشباب بوسام الرئاسة العامة لرعاية الشباب وفاءً وعرفاناً وشكراً لجهوده المباركة في خدمة شباب الوطن وتطوير الحركة الرياضية والكشفية بالمملكة العربية السعودية، وذلك في حفل تكريم الرواد الرياضيين بجدة منتصف عام 2005.
جوائز وأوسمة:
قلادة الكشاف العربي 1978
وسام مجلس التعاون الخليجي 1996
قلادة الاتحاد العربي لقدامى الكشافة 1998
القلادة الكشفية الفضية لجمعية الكشافة السعودية 2005
ويعتبر لبنان أول بلد عربي تأسست فيه الحركة الكشفية وذلك في عام 1912، على يد رجل الأعمال الشيخ محمد توفيق الهبري، الذي أسس مدرسة إسلامية في بيروت حملت اسم «دار العلوم» في عام 1327 للهجرة، وولى قيادتها لمسلم هندي اسمه «محمد عبدالجبار خيري». وفي عام 1331 للهجرة سافر الأخير إلى أوروبا على نفقة المدرسة للتخصص في مجال التربية والتعليم، فاسترعت انتباهه هناك نشأة الحركة الكشفية، فاستهوته وأُعجب بتعاليمها وأهدافها النبيلة، ما جعله بعد عودته يؤسس أول فرقة كشفية في لبنان سنة 1912 تحت اسم الكشاف العثماني، وهو الاسم الذي تغير إلى الكشاف السوري (كانت سوريا تشكل بلداً واحداً مع لبنان آنذاك)، ثم إلى الكشاف المسلم، واتخذ من جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت مقراً له. وفي عام 1928 انفصلت كشافة سوريا عن لبنان. وتعتبر كشافة لبنان الأولى عربياً لجهة نيل الاعتراف الدولي والمشاركة في المؤتمر الكشفي العالمي (فيينا 1947).
حركات كشفية عربية
بعد ذلك تأسست حركات كشفية مماثلة في مصر على يد الأمير عمر طوسون (1914)، والعراق (1915)، والسودان (1916)، والأردن (1923)، وعدن (1927)، وتونس (1933)، والمغرب (1946)، وليبيا (1954). ومما يجدر بنا الإشارة إليه في هذا السياق أن أول فرقة كشفية فلسطينية تشكلت عام 1918 في مدرسة سان جورج بالقدس، قبل أن يتوالى تشكيل مثيلاتها في مختلف المدن الفلسطينية ما بين عامي 1919 و1921.
أما على صعيد دول الخليج العربية، فقد كانت البحرين أول بلد خليجي تؤسس فيه فرقة كشفية وذلك في عام 1927 حينما أنشئت فرقة كشفية بالمدرسة الغربية (مدرسة أبوبكر الصديق حالياً) على يد المدرسين العرب، أعقبتها فرقة مماثلة بمدرسة الهداية الخليفية بالمحرق، وفي مطلع الخمسينات قررت دائرة المعارف أن تعهد إلى مراقب التربية البدنية الإشراف على الحركة الكشفية وترسيخ قواعدها وتنظيم شؤونها بعد الإقبال الكبير من الطلبة والمدرسين على الانخراط بها، ليتم إصدار قانون بشأنها من الحكومة في عام 1968، ثم ليتم الاعتراف دولياً بها في عام 1970. وعرفت سلطنة عمان الكشافة عام 1932 حينما تأسست أول فرقة كشفية بها في المدرسة السلطانية بمسقط، قبل أن تعرف حركة كشفية واسعة ومنظمة وتنال الاعتراف الدولي في منتصف سبعينات القرن الماضي. أما الكويت فقد عرفت العمل الكشفي عام 1936 من خلال المدرسة المباركية التي احتضت أول فرقة كشفية من 12 كشافاً كان بينهم الأميران الراحلان الشيخ جابر الأحمد الصباح والشيخ سعد العبدالله السالم الصباح وبعض إخوانهما الشيوخ.
1961 أول جمعية كشفية سعودية
تلت الكويت المملكة العربية السعودية التي عرفت الكشافة من خلال مدرسة تحضير البعثات والمعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة وذلك في مطلع أربعينات القرن العشرين، علماً بأن الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه كان قد أُعجب بفكرة الكشافة وأهدافها وطلب دراسة إمكانية نشرها منذ منتصف ثلاثينات القرن العشرين. وفي عام 1961 أصدر الملك سعود بن عبدالعزيز مرسوماً بتأسيس أول جمعية كشفية سعودية، وكان أول رؤسائها هو الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ. وقد نالت الجمعية الاعتراف الدولي عام 1963.
أما قطر فقد جاءت خامساً، إذ عرفت الفرق الكشفية المدرسية لأول مرة عام 1956، ثم نالت جمعيتها الكشفية الاعتراف الدولي سنة 1965. وبالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، فإن بعض إماراتها، وتحديداً الشارقة ورأس الخيمة، عرفت الكشافة منذ عام 1957، لكن جمعيتها الكشفية على المستوى الاتحادي لم تظهر إلا بعد قيام الدولة الاتحادية، وتحديداً في عام 1972 ثم نالت الاعتراف الدولي عام 1977.
«بادن باول السعودية»
ما سبق كان توطئة للحديث عن أحد رواد العمل الكشفي في المملكة العربية السعودية، ممن عشق الحركة الكشفية وآمن بأهدافها منذ صباه وشبابه، فقضى عمراً يعيش في دهاليزها ويتابع أخبارها ويشارك في مؤتمراتها ويمنحها جلّ جهده وطاقته واهتمامه حتى استحق لقب «بادن باول السعودية» على غرار «بادن باول العرب»، وهو اللقب الذي أُطلق على المصري عزيز عثمان بكير الأمين العام السابق لمنظمة الكشافة العرب.
المقصود بهذا الكلام هو الرائد عباس عبدالله عباس حداوي، ابن مكة المكرمة الذي لا يعد رمزاً كشفياً من رموز بلاده فحسب وإنما أيضاً رمزاً من رموزها الرياضية. ولمعرفة جهوده في مجال الرياضة والشباب نستعين بما كتبته صحيفة الرياض (3 / 11 / 2006) عنه، وفيه أن حداوي أشرف على تدريب فريق كرة القدم بالمدرسة النموذجية للأمراء في الطائف في أواخر أربعينات القرن العشرين، وساهم في تأسيس نادي الكواكب الرياضي بالطائف، بل كان ينظم ويشرف على مبارياته مع فرق البوارج البريطانية الزائرة لميناء جدة، وساهم في إقامة دورات في تحكيم كرة القدم خلال عطلات المدارس الصيفية في الخمسينات، ولقيت اهتمام وزارة المعارف إبان حمل الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز حقيبتها، كما ساهم في إنشاء العديد من اللجان والإدارات الرياضية وإدارتها من خلال عضويته فيها، مع تبنيه الكثير من الأفكار والابتكارات التطويرية للمجال الرياضي بصفة عامة.
ومما يذكر له أيضاً جهوده في الأحداث والمناسبات التالية: افتتاح معهد التربية الرياضية المتوسط في الرياض بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من معلمي التربية البدنية السعوديين، برامج إرسال البعثات الدراسية الرياضية والفنية إلى الخارج لنيل درجتي البكالوريوس والماجستير، إنشاء مسابقة ألعاب القوى الشتوية، عملية تسجيل الأندية الرياضية ودمج بعضها، إعداد مسابقة الدوري العام لكرة القدم مع منع إشراك اللاعبين غير السعوديين، تنظيم أول دوري كرة قدم على مستوى المملكة بين أندية المناطق الوسطى والغربية والشرقية، إقامة بطولة المنتخبات على كأس ولي العهد.
ولد عباس حداوي في مكة المكرمة عام 1346 للهجرة، ودرس في مدارس مكة والطائف ثم التحق بمدرسة تحضير البعثات التي أسسها الملك عبدالعزيز سنة 1937 في مكة لتدريس الطلبة المرحلة الثانوية وإعدادهم للسفر إلى الخارج (تحديداً مصر) لنيل الشهادة الجامعية. وإبان دراسته في هذه المدرسة التحق حداوي بثاني وحدة كشفية التي أسسها المربي عمر عبدالجبار (ت: 1971).
الابتعاث في مصر
بعد تخرجه من مدرسة تحضير البعثات تمّ ابتعاثه إلى مصر، فدرس هناك في المعهد العالي للتربية الرياضية، وانخرط مع جوالة المعهد فتشرب المفاهيم والأهداف الكشفية بشغف. وحينما عاد إلى بلاده بعد سنوات دراسته في مصر تمّ تعيينه موجهاً للتربية الكشفية بوزارة المعارف السعودية، ثم تمّ تكليفه بالإشراف على إدارة التربية الكشفية، فبقي ممسكاً بهذه الوظيفة على مدى 22 عاماً، وفي أعقاب تأسيس أول جمعية كشفية سعودية عام 1961، ونيلها الاعتراف الدولي عام 1963 خلال مشاركتها في الجامبوري الكشفي العالمي الحادي عشر الذي أقيم في اليونان عامذاك وافتتحه ولي عهد اليونان الأمير قسطنطين، تمّ تكليف حداوي ليكون - إضافة إلى عمله - مفوضاً دولياً لجمعية الكشافة العربية السعودية، حيث مارس هذه الوظيفة مدة 17 عاماً بدءاً من عام 1963. إلى ذلك تمتع حداوي بعضوية اللجنة الكشفية العربية لمدة 8 سنوات، حيث انتخب عضواً فيها لأول مرة لمدة 4 سنوات خلال المؤتمر الكشفي العربي السابع بطرابلس الغرب عام 1966، وانتخب عضواً للمرة الثانية ولمدة 4 سنوات أيضاً أثناء المؤتمر الكشفي العربي الحادي عشر في لبنان عام 1974.
قائداً لجوالة العالم العربي والإسلامي
وبحكم عمله ومناصبه الكشفية اختير قائداً عاماً للعديد من التجمعات الكشفية لجوالة العالم العربي والإسلامي ومنها: التجمع الكشفي الأول لجوالة العالم العربي والاسلامي (1964)، والتجمع الثاني (1966) الذي افتتحه ولي العهد الأمير / الملك خالد بن عبدالعزيز، والتجمع الثالث (1968)، الذي افتتحه الملك فيصل بن عبدالعزيز، والتجمع الرابع (1970) الذي افتتحه الملك فيصل أيضاً، والخامس (1972) الذي افتتحه الأمير / الملك فهد بن عبدالعزيز، والتجمع السادس (1974) الذي افتتحه أمير مكة المكرمة آنذاك الأمير فواز بن عبدالعزيز.
ويفتخر حداوي بشهادة المغفور له الملك فيصل رحمه الله، حيث قام بسؤال جلالته، عند افتتاحه التجمع الكشفي الثالث لجوالة العالم العربي والإسلامي بمكة سنة 1968 قائلاً: «طال عمرك لعلكم راضون عن الكشافة؟» فرد الملك بـ«يكفيكم يا بني فخراً أنه حضر عندكم كشافة من أكثر من 25 دولة إسلامية بينما في رابطة العالم الإسلامي لم يحضر هذا العدد».
قيادة البعثات الكشفية السعودية
إلى ما سبق، تولى حداوي قيادة البعثات الكشفية السعودية إلى مخيمات الكشافة العالمية والمؤتمرات الكشفية الدولية التي نجح من خلالها في إعطاء انطباع طيب عن الحركة الكشفية السعودية وجهودها، بفضل ما كان يتمتع به من حضور وبُعد نظر، وقوة إرادة، وحس تنظيمي. فقد قاد البعثة الكشفية السعودية إلى المخيم العالمي الحادي عشر في اليونان عام 1963 (شارك الكشافة السعوديون أثناء هذا المخيم في جميع المسابقات والأنشطة، وحصدوا عدداً من الجوائز وشهادات التقدير بفضل الإعداد المسبق الجيد في المعسكرات التمهيدية في الطائف، ما ساهم في حصولهم على الاعتراف العالمي بالتزكية)، والمؤتمر الكشفي العالمي التاسع عشر بجزيرة رودوس اليونانية في عام 1963، والمؤتمر الكشفي العالمي العشرين في المكسيك عام 1965، والمؤتمر الكشفي العالمي الثالث والعشرين في طوكيو عام 1971، والمؤتمر الكشفي العالمي الرابع والعشرين في نيروبي عام 1973، والمؤتمر الكشفي العالمي الخامس والعشرين في كوبنهاغن بالدنمارك عام 1975. علاوة على قيادته كشافة بلاده في المخيمات الكشفية العربية، مثل المخيم الكشفي العربي بالمغرب عام 1962 الذي افتتحه العاهل المغربي الراحل الملك محمد الخامس، حيث كانت تلك أول مشاركة للمملكة بعد حصول كشافتها على عضوية المنظمة الكشفية العربية، وفيه قاد حداوي وفداً رفيعاً مكوناً من القيادات الكشفية من أمثال: الدكتور زيد صالح، منصور شلبي، جبرين الجبرين، نبيل حسين، وعبدالله القناعي.
حداوي وشغف الكشافة
حصل حداوي على العديد من الجوائز خلال مسيرته الكشفية الطويلة تقديراً واعترافاً بجهوده في المجال الكشفي على المستويات السعودية والخليجية والعربية والإسلامية والعالمية. فقد حصل على قلادة الكشاف العربي في المؤتمر الكشفي العربي الثالث عشر في المحمدية بالمغرب عام 1978، وعلى وسام مجلس التعاون لدول الخليج العربي من الدرجة الأولى عام 1996، وعلى قلادة الاتحاد العربي لقدامى الكشافة عام 1998، كما منح القلادة الكشفية الفضية لجمعية الكشافة العربية السعودية عام 2005.
كتب عنه مبارك عوض الدوسري في صحيفة الجزيرة السعودية (14 / 5 / 2021) ما مفاده، أن حداوي لا يترك مناسبة إلا ويتحدث فيها عن مفهومه للكشافة وأنها «إعداد المواطن الصالح لنفسه ومجتمعه» وكيف أن كشاف الأمس كان «منهمكاً في العقد والربطات والدورات وكانت الهوايات لديه محدودة»، بينما كشاف اليوم المفترض فيه أن يكون أفضل من كشاف الأمس على اعتبار أن الإمكانيات المادية والتكنولوجية المتوفرة حالياً أكبر وأفضل مما كان متوفراً في الماضي. وأضاف الدوسري «من خلال علاقتي به في العديد من المناسبات وجدته يهتم كثيراً بالعمل الجماعي، ويؤدي دوره بنسق منظم قائم على أسس وقيم تنظيمية من أجل تقديم الأفضل، وضمان أن يكون العمل مؤسسياً ثابتاً محافظاً على تراكم الخبرات والتجارب والمعلومات بحيث لا تتأثر المنظومة بتغير القيادات الكشفية، وكان لا يحبذ تفرد القائد الكشفي بالقرارات المهمة دون مشورة، ويؤكد دائماً على أهمية الالتزام بالمبادئ الكشفية والقيم من خلال بنود القانون الكشفي».
ملامح كشاف اليوم النافع لمجتمعه
ويرى حداوي أن القائد الكشفي إذا كان على قدر من الإيمان والإخلاص والمعرفة بالعمل فإن كشاف اليوم سيصبح أفضل إذا استطاع أن يبلور الهوايات والبرامج المتجددة والمتطورة إلى سلوك اجتماعي نافع ومفيد، كما يؤكد أن «من أبرز مظاهر الحركة الكشفية (نظام الطلائع)، الذي يربي الشاب على القيادة والتبعية وتحمل المسؤولية فيتعلم كيف يأخذ ويعطي وكيف يعطي التعليمات عندما يكون عريفاً وكيف يستقبلها عندما يكون فرداً في الطليعة». ويرى أيضاً أن القائد يمكن أن يكون قائداً قدوة لكشافيه بسلوكه السليم القويم وبالالتزام بتعاليم دينه وتطبيق بنود الوعد والقانون على نفسه أولاً والالتزام بالوعد الكشفي، مكتسباً طاعة ومحبة وحدته بما يعده لهم من برامج تشبع رغباتهم وميولهم.
آخر وظيفة شغلها حداوي هو منصب مدير عام رعاية الشباب بوزارة المعارف، الذي تقاعد بعده عن العمل. وتقديراً لجهوده فقد تم تكريمه من قبل الأمير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز الرئيس العام لرعاية الشباب بوسام الرئاسة العامة لرعاية الشباب وفاءً وعرفاناً وشكراً لجهوده المباركة في خدمة شباب الوطن وتطوير الحركة الرياضية والكشفية بالمملكة العربية السعودية، وذلك في حفل تكريم الرواد الرياضيين بجدة منتصف عام 2005.
جوائز وأوسمة:
قلادة الكشاف العربي 1978
وسام مجلس التعاون الخليجي 1996
قلادة الاتحاد العربي لقدامى الكشافة 1998
القلادة الكشفية الفضية لجمعية الكشافة السعودية 2005