«ساحر الكرملين»... كتاب أثار ضجة واسعة النطاق في فرنسا وعدد من بلدان الاتحاد الأوروبي، إذ إن بطله هو رئيس دولة افتراضي يسمى فلاديمير بوتين. وتحكي الرواية بوجه عام كيفية عمل حكومة بوتين الافتراضي. وقد أسرت الرواية ألباب عشاق الروايات، إلى درجة أنها حققت عدداً من الجوائز، وبيع منها خلال أيام من صدورها أكثر من 430 ألف نسخة. ولم تخل المسألة من منتقدين، اعتبروها تغزلاً بالرئيس الروسي، بعد زجه بجيوشه في الأراضي الأوكرانية. وهي حرب تدمي أوروبا كلها، وليس أوكرانيا وحدها. وأضحت الرواية بالنسبة إلى كثيرين أفضل مرشد إلى تفهم دوافع بوتين لشن الغزو الروسي قبل نحو سنة. وأضحى مؤلف «ساحر الكرملين» الكاتب السويسري الإيطالي غويليانو دا إيمبولي خبيراً في شؤون الكرملين، إلى درجة أن رئيسة وزراء فرنسا دعته إلى مأدبة غداء. وأقبلت شبكات التلفزة على استضافته في نشراتها الصباحية لتحليل تطورات الحرب في أوكرانيا. وقالت رئيسة وزراء فرنسا اليزابيث بورن، إنها استمتعت برواية «ساحر الكرملين»، واصفة إياها بأنها مزيج من الحقيقة والخيال. كما أنها صدى لشؤون الساعة في العالم، وتطورات الحرب في أوكرانيا. واعتبر نقاد فرنسيون، أن نجاح «ساحر الكرملين» إنما هو في حقيقته تأكيد لاستمرار قوة الأدب في فرنسا، حيث شكلت روايات كثيرة ملامح النقاشات العامة في فرنسا. لكن نقاداً آخرين رأوا أن نجاح «ساحر الكرملين» يثير قلقاً، من حيث إنها قد تعيد صياغة آراء الفرنسيين تجاه روسيا. وقال بعض هؤلاء النقاد، إن الرواية تقدم صورة إيجابية للرئيس الروسي، في بلاد يأخذ عليها كثيرون تسامحها مع بوتين رغم أخطائه وقراراته غير الصائبة. ويأخذ هؤلاء النقاد على «ساحر الكرملين»، أنها تصور بوتين في أشد قوته، مناهضاً التسلط الغربي، وصلابته في الوقوف ضد سعي الولايات المتحدة إلى «تركيع» روسيا. وهي بالطبع وجهات نظر الكرملين، التي تتمسك بأن روسيا بحاجة إلى زعيم قوي محنك لتتجاوز مساعي الهيمنة الغربية. وقال السفير الفرنسي السابق لدى الولايات المتحدة جيرارد أرود، إن شعبية كتاب «ساحر الكرملين» ليست سوى انعكاس لانبهار الفرنسيين بكل ما يتعلق بروسيا، وهو إعجاب نجم عن التشابه في الثورة، والإمبراطورية، واللوحات الفنية النفيسة. وزعم آخرون أن «ساحر الكرملين» تتضمن آراء رخوة عن بوتين، وقد يؤدي ذلك إلى تغيير الموقف الرسمي الفرنسي حيال ما تقوم به روسيا في أوكرانيا، وهي مخاوف ربما عززتها دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى عدم ازدراء روسيا، ومحاولة إيذائها. وقالت أستاذة العلوم السياسية المتخصصة في شؤون روسيا بجامعة رين الثانية سيسل فياسي، إن الكتاب المذكور يحوي الدعاية الروسية، مع قدر قليل من المفارقات. وكان المؤلف دا إيمبولي مثيراً للجدل في كتاباته السابقة. وعمل سابقاً عمدة لمدينة فلورنسا الإيطالية. وعين مستشاراً لرئيس وزراء إيطالي سابق. وقال دا إيمبولي، إنه أراد أن يستخدم الرواية لعرض الطريقة التي تحاول روسيا أن تظهر بها قوتها. وتقوم الرواية على شخصية رئيسية هي فلاديسلاف سيركوف، مسؤول التنظير السابق في حكومة بوتين، ومهندس المركزية التي انتهجها الرئيس الروسي، لتركيز السلطات بين يديه وحده؛ حتى أن بعضهم أطلق عليه لقب «راسبوتين الخاص ببوتين». وقال دا إيمبولي (49 عاماً)، إن شخصية سيركوف أثارت خياله، وألهبت أفكاره. وتتضمن الرواية تفاصيل خيالية دقيقة عن آليات عمل حكومة بوتين. ويصور فيها المؤلف شخصيات بارزة تقف إلى جانب بوتين، خصوصاً مؤسس مرتزقة مجموعة فاغنر، الذي يتهمه المؤلف بأنه يقف وراء حملات التضليل الهادفة لتقسيم الصف الغربي. وكشف دا إيمبولي، الذي يقوم بتدريس العلوم السياسية في إحدى جامعات باريس، أنه فرغ من كتابة روايته قبل سنتين، وسلمها للناشر، الذي لم يرد عليه، إلا بعدما أقدم بوتين على غزو أوكرانيا. وما إن تم نشرها حتى غدت الأكثر مبيعاً، باعتبارها أول محاولة غربية كبيرة لتصوير بوتين من كثب.