يعتقد البعض أن أول ممثل سياسي لبلد أجنبي في الكويت، لا بد أنه بريطاني بحكم العلاقات التعاهدية والحمائية الخاصة التي أبرمها شيوخ الكويت مع بريطانيا العظمى. غير أن هذا الاعتقاد خاطئ، لأن أول قنصل بريطاني في الكويت هو الكولونيل «إس. جي. نوكس»، الذي تولى مهامه في عام 1904، أي بعد إبرام معاهدة حماية جديدة بين البلدين في أعقاب زيارة اللورد كروزن نائب الملك في الهند إلى الكويت بأيام قليلة. بقي القنصل نوكس في منصبه لغاية سنة 1909 وخلفه قناصل آخرون، وصولاً إلى مستر رجموند، الذي تم ترفيعه إلى درجة سفير بعد أن ألغيت المعاهدة الحمائية القديمة لعام 1899، الموقعة بين الشيخ مبارك الصباح والمقيم السياسي في الخليج الكابتن «ويكهام هور كالكوت سكن»، التي بإلغائها نالت الكويت استقلالها الناجز في 19 يونيو 1961.
وقد يعتقد البعض الآخر، أن أول تمثيل سياسي لدولة أخرى في الكويت كان للدولة العثمانية، إلا أن هذا الاعتقاد هو الآخر خاطئ، لأن علاقات الكويت بالدولة العثمانية اقتصرت على الجانب الديني، حيث إن حكام الكويت لم يسمحوا لأي ممثل للدولة العثمانية بالتواجد على أراضيهم، وكان أقرب ممثليها هم المتواجدون في ولايتي بغداد والبصرة.
أما الصحيح، فهو أن أول ممثل سياسي معتمد في مشيخة الكويت لبلد آخر هو النجدي الحاج «عبدالله بن حمد بن عبدالرحمن بن حمد بن إبراهيم النفيسي»، الذي مارس مهامه منذ عام 1901 وحتى تاريخ وفاته بالكويت عام 1942، وكان يقوم فيها بتمثيل مصالح الأمير (الملك) عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، طيب الله ثراه، تمثيلاً صحيحاً لا حدود له كما يفعل عادة سفراء الدول والممالك، على حد قول المؤرخ الكويتي عبدالله بن خالد الحاتم في الصفحة 19 من الطبعة الثانية من كتابه «من هنا بدأت الكويت» الصادرة عن دار القبس سنة 1980.
سكة النفيسي
ولد الحاج عبدالله النفيسي بمدينة الرياض في عام 1277 للهجرة، ابناً لعائلة النفيسي التي ورد أول ذكر لها قبل حوالى 400 سنة، أي قبل ظهور دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب. وطبقاً لما ذكره الأستاذ محمد بن عبدالرزاق القشعمي في الصفحة 47 من الطبعة الأولى من كتابه «معتمدو الملك عبدالعزيز ووكلاؤه في الخارج»، الصادر عن دار الانتشار العربي/ بيروت سنة 2015، فإن أسرة النفيسي كانت تسكن قرية «أبا الكباش»، مركز سوق الأغنام بنجد، بالقرب من الدرعية وتعمل في تجارة الخراف وبيعها لأشراف مكة في مواسم الحج، وبعد خراب الدرعية نزحوا إلى الرياض. لاحقاً غادر عبدالله النفيسي وأسرته بلاد نجد في عام 1880، متوجهين إلى الكويت، حيث استقروا هناك في فريج العوازم أولاً ثم في الحي القبلي وتحديداً في مكان سمي باسمهم هو «سكة النفيسي»، حيث توجد بيوتهم وديوانهم، وحيث مارس الحاج عبدالله مع أبيه وأخيه محمد تجارة الخيول واللؤلؤ التي كانوا ينقلونها إلى الهند بحراً ويعودون من هناك بمختلف السلع الهندية لبيعها في دكان صغير بالسوق الداخلي كان يزود أهل البادية بالأرز والحبوب والشاي والسكر والبن والهيل والسمن والإقط والعصي والغتر والعقل.
يقول القشعمي، إن الأسرة السعودية المالكة حينما خرجت مضطرة من نجد إلى الكويت بقيادة الإمام عبدالرحمن الفيصل في أواخر القرن 19، حلت ضيفة كريمة على الشيخ مبارك الصباح، وأقامت في «سكة النفيسي» خلف مسجد ابن بحر في بيت عرف باسم «بيت الأمير عبدالرحمن الفيصل». ولعل من أسباب هذا أن آل النفيسي كانوا من رجالات الدولة السعودية الأولى والثانية الشجعان، بل إن عبدالرحمن النفيسي (جد المترجَم له) كان من خاصة ورجالات الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله آل سعود، وعيّنه أميناً على بيت ماله.
في الكويت توطدت العلاقة بين عبدالله النفيسي والفتى الشاب عبدالعزيز آل سعود (السلطان/ الملك لاحقاً)، الطامح لاسترداد ملك آبائه وأجداده. ومن آيات تلك العلاقة الوطيدة أن الملك عبدالعزيز وضع خطط استرداد الرياض سنة 1902 في ديوان حمد النفيسي (والد المترجَم له)، بحضور عبدالله النفيسي والأمير عبدالله بن جلوي. ومن آياتها أيضاً سعي عبدالله النفيسي لدى الشيخ مبارك الصباح لدعم خطط الملك عبدالعزيز بالمال والسلاح والعتاد. وحينما تعذر على حاكم الكويت تقديم ما يكفي (بسبب ما تكبده من خسائر فترتئذ جراء هزيمته في معركة الصريف مع آل رشيد سنة 1901)، قام عبدالله النفيسي ووالده ببيع دكانهما ورهن مصاغ نسائهما في سبيل تأمين ما يلزم الملك عبدالعزيز من مال.
فتح الرياض
نجح الملك عبدالعزيز في فتح الرياض في 15 يناير 1902، لتكون نواة الدولة السعودية الثالثة، وكان ضمن من خرج مع جلالته من الكويت لهذا الغرض «إبراهيم بن عبدالرحمن النفيسي» (عم المترجَم له وجد الممثل الكويتي المعروف خالد صالح النفيسي)، الذي جرح في المعركة، علماً بأن عماً آخر للمترجَم له وهو «محمد بن عبدالرحمن النفيسي» كان قد استشهد في معركة «أم العصافير» التي دارت رحاها سنة 1301 للهجرة بالقرب من المجمعة بين الإمام عبدالله بن فيصل آل سعود ومعه قبيلة عتيبة من جهة، والأمير محمد بن عبدالله آل رشيد ومعه أهل القصيم من جهة أخرى.
بعد استرداد الرياض، لم ينسَ الملك عبدالعزيز مروءة ودعم النفيسي، فمنحه مهمة تمثيله في الكويت سياسياً وتجارياً دون قيد أو شرط، وظل شاغلاً هذه الوظيفة إلى أن توفي عام 1942 فخلفه ولده الأكبر عبدالعزيز العبدالله النفيسي الذي توفي سنة 1955 فحلّ مكانه ابنه فهد العبدالعزيز النفيسي (حفيد المترجَم له)، وظل الأخير في منصبه إلى أن استقلت الكويت ووصل إليها الشيخ جميل الحجيلان في يوم 2 أكتوبر 1961 كأول سفير سعودي لدى دولة الكويت المستقلة.
معركة فتح حائل
وخلال سنوات تمثيله للملك عبدالعزيز في الكويت من 1901 إلى 1942، قام النفيسي بمهمات كثيرة منها: قيامه بدور مساعد في معركة فتح حائل سنة 1921. فعندما حاصر الملك عبدالعزيز وجيشه حائل لمدة ستة أشهر، سارع النفيسي بتجهيز مائتي بعير محملة بالأسلحة والذخيرة والأطعمة والخيام، وقام بإرسالها من الكويت إلى تخوم حائل، استجابة لخطاب أرسله الملك إليه مع قافلة من أهالي الزلفي مرفقة بتعليمات حول احتياجاته وكيفية سداد قيمتها. ومن المهام الأخرى التي تولاها النفيسي بأوامر من الملك عبدالعزيز، المساهمة في وضع ترتيبات حائلة دون حدوث انتقالات وخلافات واعتداءات من قبل القبائل النجدية على الكويت والعراق، تجنباً لأي مشاكل مع الحكومة البريطانية. كذلك كلفه الملك عبدالعزيز بفتح ميناء في الجبيل، ولهذا الغرض أرسله في عام 1920 إلى البحرين ومعه خطاب موجه إلى المعتمد السياسي البريطاني هناك حول استضافته وتسهيل رحلته ذهاباً وإياباً إلى أن ينجز مهمته، طبقاً لما أورده القشعمي في كتابه آنف الذكر، نقلاً عن كتاب «بعثة إلى نجد 1917 ــ 1918» لمؤلفه «سانت جون فيلبي» (ص. 141 ــ 144).
إمارة الجبيل
ومن أخبار النفيسي التي وردت في الصفحتين 239 و240 من الجزء الثالث من كتاب «تاريخ الكويت السياسي» لمؤلفه حسين الشيخ خزعل، أنه حينما نشب خلاف بين السلطنة النجدية وإمارة الكويت زمن الحاكم الشيخ سالم المبارك الصباح، خاف النفيسي على مصيره وأراد أن يترك الكويت، فاستأذن الشيخ سالم للسفر بحجة أن السلطان عبدالعزيز أمره بذلك، لكن الشيخ سالم لم يسمح له. وإزاء إصرار النفيسي على المغادرة، طلب الشيخ سالم منه كتابة وثيقة موقعة فيها إقرار بأن مغادرته للكويت كانت بمحض إرادته ودون إكراه، ففعل ذلك ووقع على وثيقة مؤرخة في الرابع من سبتمبر 1920.
وعندما وصل النفيسي إلى الرياض في عام 1920 عرض عليه الملك عبدالعزيز إمارة الجبيل، لكنه اعتذر متذرعاً برغبته في العمل الحر. وهنا طلب منه الملك أن يذهب إلى الجبيل وينصب عليها أميراً من قبله، ففعل وأقام في الجبيل سنة كاملة عاد بعدها إلى الرياض ليستأذن الملك في فتح تجارة له في الجبيل. غير أن ما حدث وقتها هو أن الشيخ أحمد الجابر الصباح كان في زيارة للملك عبدالعزيز مبعوثاً من حاكم الكويت الشيخ سالم المبارك الصباح لإتمام الصلح بين نجد والكويت، وبعد أن تم حل الخلافات بين البلدين، طلب الشيخ أحمد الجابر من الملك عبدالعزيز أن يصطحب النفيسي معه إلى الكويت، وكان له ما أراد. وقد علق خالد سعود الزيد في الصفحة 102 من كتابه «سير وتراجم خليجية» على الواقعة، فقال ما مفاده، إن ما فعله الشيخ أحمد الجابر لهو دليل على حب شيوخ الكويت للنفيسي وثقتهم فيه بسبب طهره وصلاحه ونبله وإخلاصه للكويت. والمعروف أن الكويت تقديراً منها للرجل أطلقت اسمه على شارع بمنطقة الشامية.
وفاة النفيسي
قلنا، إن عبدالله بن حمد النفيسي توفي في الكويت سنة 1942 الموافق لعام 1361 للهجرة، وقد تأثر الملك عبدالعزيز وحزن كثيراً حينما بلغه الخبر، فأرسل أولاً برقية عزاء إلى أهله وذويه، ثم أرسل فيما بعد نجليه الأميرين (الملكين لاحقاً) سعود وخالد إلى الكويت لتقديم واجب العزاء باسم جلالته.
أنجب النفيسي عشرة أبناء من الذكور، أكبرهم عبدالرحمن الذي اشتغل في التجارة ما بين الكويت والعراق، لكن أشهرهم هو عبدالعزيز الذي خلف والده في تمثيل الملك عبدالعزيز في الكويت من عام 1942 إلى تاريخ وفاته في سنة 1955. وكان شاعراً نبطياً، وأقام لبعض الوقت في الحجاز كرئيس لديوان الأمير (الملك) فيصل بن عبدالعزيز، حينما كان سموه نائباً لوالده في الحجاز. ويقال، إن الملك عبدالعزيز كان يريد تعيينه وزيراً للمالية.
وللنفيسي أحفاد كثر، من أشهرهم حفيده من ولده عبدالعزيز آنف الذكر، وهو «فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله بن حمد النفيسي» الذي تولى أيضاً تمثيل الملك عبدالعزيز في الكويت من عام 1955 وحتى استقلال الكويت سنة 1961، كما أسلفنا.
أسرة النفيسي
في تقرير لها عن آل النفيسي، قالت صحيفة «الراي» الكويتية (14/1/2014)، إن أسرة النفيسي من أشهر الأسر في الكويت والمملكة العربية السعودية، ولها مكانة وصيت ومساهمات في تأسيس الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة، و«برز من أبنائها رجال كثر قديماً وحديثاً تبوأوا مناصب رفيعة في الكويت والسعودية». ثم استطردت متحدثة عن نسبها فذكرت، استناداً إلى العديد من المرويات والمؤلفات وشهادات رجالات البلدين الشقيقين، ومنهم الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي السعودية الأسبق، والشيخ صالح بن عثمان القاضي والمؤرخ أحمد بن عبدالله بن نفيسة في كتابه عن «أسرة النفيسة» والعلامة الشيخ حمد الجاسر في «مجلة العرب» والشيخ محمد بن ناصر العبودي في «معجم أسر القصيم»، والأستاذ عبدالعزيز السناح المطيري في كتابه «أصدق البراهين في معرفة حمران النواظر» والدكتور إبراهيم الجارالله الشريفي في «موسوعة الأسر والقبائل»، أن أسرة النفيسة أو كما تسمى في بعض فروعها بالنفيسي ترجع في نسبها إلى فخذ (العفسة) المتفرع من واصل من قبيلة مطير الغطفانية القيس عيلانية المضرية العدنانية.
ثم تطرق التقرير إلى أسماء بعض رجالات الأسرة ممن شارك ببسالة في حروب قيام الدول السعودية الثلاث، فأتى على ذكر «حمد بن إبراهيم النفيسي» (والد جد المترجَم له) الذي قتل إبراهيم بن حمزة قاتل الإمام تركي، و«عبدالله بن علي النفيسي الشهير بـ(عمعوم)»، الذي تقدم فرقة الفداء، وتسوّر سور الكوت في الأحساء ليلة دخول الملك عبدالعزيز إليها، و«عبدالرحمن بن حمد النفيسي» (جد المترجَم له) الشهير بـ«أبو اليتامى» بسبب سخائه وكرمه وكفالته ورعايته للأيتام، ناهيك، بطبيعة الحال، عن الحاج عبدالله النفيسي وولده عبدالعزيز وحفيده فهد بن عبدالعزيز.
وقد يعتقد البعض الآخر، أن أول تمثيل سياسي لدولة أخرى في الكويت كان للدولة العثمانية، إلا أن هذا الاعتقاد هو الآخر خاطئ، لأن علاقات الكويت بالدولة العثمانية اقتصرت على الجانب الديني، حيث إن حكام الكويت لم يسمحوا لأي ممثل للدولة العثمانية بالتواجد على أراضيهم، وكان أقرب ممثليها هم المتواجدون في ولايتي بغداد والبصرة.
أما الصحيح، فهو أن أول ممثل سياسي معتمد في مشيخة الكويت لبلد آخر هو النجدي الحاج «عبدالله بن حمد بن عبدالرحمن بن حمد بن إبراهيم النفيسي»، الذي مارس مهامه منذ عام 1901 وحتى تاريخ وفاته بالكويت عام 1942، وكان يقوم فيها بتمثيل مصالح الأمير (الملك) عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، طيب الله ثراه، تمثيلاً صحيحاً لا حدود له كما يفعل عادة سفراء الدول والممالك، على حد قول المؤرخ الكويتي عبدالله بن خالد الحاتم في الصفحة 19 من الطبعة الثانية من كتابه «من هنا بدأت الكويت» الصادرة عن دار القبس سنة 1980.
سكة النفيسي
ولد الحاج عبدالله النفيسي بمدينة الرياض في عام 1277 للهجرة، ابناً لعائلة النفيسي التي ورد أول ذكر لها قبل حوالى 400 سنة، أي قبل ظهور دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب. وطبقاً لما ذكره الأستاذ محمد بن عبدالرزاق القشعمي في الصفحة 47 من الطبعة الأولى من كتابه «معتمدو الملك عبدالعزيز ووكلاؤه في الخارج»، الصادر عن دار الانتشار العربي/ بيروت سنة 2015، فإن أسرة النفيسي كانت تسكن قرية «أبا الكباش»، مركز سوق الأغنام بنجد، بالقرب من الدرعية وتعمل في تجارة الخراف وبيعها لأشراف مكة في مواسم الحج، وبعد خراب الدرعية نزحوا إلى الرياض. لاحقاً غادر عبدالله النفيسي وأسرته بلاد نجد في عام 1880، متوجهين إلى الكويت، حيث استقروا هناك في فريج العوازم أولاً ثم في الحي القبلي وتحديداً في مكان سمي باسمهم هو «سكة النفيسي»، حيث توجد بيوتهم وديوانهم، وحيث مارس الحاج عبدالله مع أبيه وأخيه محمد تجارة الخيول واللؤلؤ التي كانوا ينقلونها إلى الهند بحراً ويعودون من هناك بمختلف السلع الهندية لبيعها في دكان صغير بالسوق الداخلي كان يزود أهل البادية بالأرز والحبوب والشاي والسكر والبن والهيل والسمن والإقط والعصي والغتر والعقل.
يقول القشعمي، إن الأسرة السعودية المالكة حينما خرجت مضطرة من نجد إلى الكويت بقيادة الإمام عبدالرحمن الفيصل في أواخر القرن 19، حلت ضيفة كريمة على الشيخ مبارك الصباح، وأقامت في «سكة النفيسي» خلف مسجد ابن بحر في بيت عرف باسم «بيت الأمير عبدالرحمن الفيصل». ولعل من أسباب هذا أن آل النفيسي كانوا من رجالات الدولة السعودية الأولى والثانية الشجعان، بل إن عبدالرحمن النفيسي (جد المترجَم له) كان من خاصة ورجالات الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله آل سعود، وعيّنه أميناً على بيت ماله.
في الكويت توطدت العلاقة بين عبدالله النفيسي والفتى الشاب عبدالعزيز آل سعود (السلطان/ الملك لاحقاً)، الطامح لاسترداد ملك آبائه وأجداده. ومن آيات تلك العلاقة الوطيدة أن الملك عبدالعزيز وضع خطط استرداد الرياض سنة 1902 في ديوان حمد النفيسي (والد المترجَم له)، بحضور عبدالله النفيسي والأمير عبدالله بن جلوي. ومن آياتها أيضاً سعي عبدالله النفيسي لدى الشيخ مبارك الصباح لدعم خطط الملك عبدالعزيز بالمال والسلاح والعتاد. وحينما تعذر على حاكم الكويت تقديم ما يكفي (بسبب ما تكبده من خسائر فترتئذ جراء هزيمته في معركة الصريف مع آل رشيد سنة 1901)، قام عبدالله النفيسي ووالده ببيع دكانهما ورهن مصاغ نسائهما في سبيل تأمين ما يلزم الملك عبدالعزيز من مال.
فتح الرياض
نجح الملك عبدالعزيز في فتح الرياض في 15 يناير 1902، لتكون نواة الدولة السعودية الثالثة، وكان ضمن من خرج مع جلالته من الكويت لهذا الغرض «إبراهيم بن عبدالرحمن النفيسي» (عم المترجَم له وجد الممثل الكويتي المعروف خالد صالح النفيسي)، الذي جرح في المعركة، علماً بأن عماً آخر للمترجَم له وهو «محمد بن عبدالرحمن النفيسي» كان قد استشهد في معركة «أم العصافير» التي دارت رحاها سنة 1301 للهجرة بالقرب من المجمعة بين الإمام عبدالله بن فيصل آل سعود ومعه قبيلة عتيبة من جهة، والأمير محمد بن عبدالله آل رشيد ومعه أهل القصيم من جهة أخرى.
بعد استرداد الرياض، لم ينسَ الملك عبدالعزيز مروءة ودعم النفيسي، فمنحه مهمة تمثيله في الكويت سياسياً وتجارياً دون قيد أو شرط، وظل شاغلاً هذه الوظيفة إلى أن توفي عام 1942 فخلفه ولده الأكبر عبدالعزيز العبدالله النفيسي الذي توفي سنة 1955 فحلّ مكانه ابنه فهد العبدالعزيز النفيسي (حفيد المترجَم له)، وظل الأخير في منصبه إلى أن استقلت الكويت ووصل إليها الشيخ جميل الحجيلان في يوم 2 أكتوبر 1961 كأول سفير سعودي لدى دولة الكويت المستقلة.
معركة فتح حائل
وخلال سنوات تمثيله للملك عبدالعزيز في الكويت من 1901 إلى 1942، قام النفيسي بمهمات كثيرة منها: قيامه بدور مساعد في معركة فتح حائل سنة 1921. فعندما حاصر الملك عبدالعزيز وجيشه حائل لمدة ستة أشهر، سارع النفيسي بتجهيز مائتي بعير محملة بالأسلحة والذخيرة والأطعمة والخيام، وقام بإرسالها من الكويت إلى تخوم حائل، استجابة لخطاب أرسله الملك إليه مع قافلة من أهالي الزلفي مرفقة بتعليمات حول احتياجاته وكيفية سداد قيمتها. ومن المهام الأخرى التي تولاها النفيسي بأوامر من الملك عبدالعزيز، المساهمة في وضع ترتيبات حائلة دون حدوث انتقالات وخلافات واعتداءات من قبل القبائل النجدية على الكويت والعراق، تجنباً لأي مشاكل مع الحكومة البريطانية. كذلك كلفه الملك عبدالعزيز بفتح ميناء في الجبيل، ولهذا الغرض أرسله في عام 1920 إلى البحرين ومعه خطاب موجه إلى المعتمد السياسي البريطاني هناك حول استضافته وتسهيل رحلته ذهاباً وإياباً إلى أن ينجز مهمته، طبقاً لما أورده القشعمي في كتابه آنف الذكر، نقلاً عن كتاب «بعثة إلى نجد 1917 ــ 1918» لمؤلفه «سانت جون فيلبي» (ص. 141 ــ 144).
إمارة الجبيل
ومن أخبار النفيسي التي وردت في الصفحتين 239 و240 من الجزء الثالث من كتاب «تاريخ الكويت السياسي» لمؤلفه حسين الشيخ خزعل، أنه حينما نشب خلاف بين السلطنة النجدية وإمارة الكويت زمن الحاكم الشيخ سالم المبارك الصباح، خاف النفيسي على مصيره وأراد أن يترك الكويت، فاستأذن الشيخ سالم للسفر بحجة أن السلطان عبدالعزيز أمره بذلك، لكن الشيخ سالم لم يسمح له. وإزاء إصرار النفيسي على المغادرة، طلب الشيخ سالم منه كتابة وثيقة موقعة فيها إقرار بأن مغادرته للكويت كانت بمحض إرادته ودون إكراه، ففعل ذلك ووقع على وثيقة مؤرخة في الرابع من سبتمبر 1920.
وعندما وصل النفيسي إلى الرياض في عام 1920 عرض عليه الملك عبدالعزيز إمارة الجبيل، لكنه اعتذر متذرعاً برغبته في العمل الحر. وهنا طلب منه الملك أن يذهب إلى الجبيل وينصب عليها أميراً من قبله، ففعل وأقام في الجبيل سنة كاملة عاد بعدها إلى الرياض ليستأذن الملك في فتح تجارة له في الجبيل. غير أن ما حدث وقتها هو أن الشيخ أحمد الجابر الصباح كان في زيارة للملك عبدالعزيز مبعوثاً من حاكم الكويت الشيخ سالم المبارك الصباح لإتمام الصلح بين نجد والكويت، وبعد أن تم حل الخلافات بين البلدين، طلب الشيخ أحمد الجابر من الملك عبدالعزيز أن يصطحب النفيسي معه إلى الكويت، وكان له ما أراد. وقد علق خالد سعود الزيد في الصفحة 102 من كتابه «سير وتراجم خليجية» على الواقعة، فقال ما مفاده، إن ما فعله الشيخ أحمد الجابر لهو دليل على حب شيوخ الكويت للنفيسي وثقتهم فيه بسبب طهره وصلاحه ونبله وإخلاصه للكويت. والمعروف أن الكويت تقديراً منها للرجل أطلقت اسمه على شارع بمنطقة الشامية.
وفاة النفيسي
قلنا، إن عبدالله بن حمد النفيسي توفي في الكويت سنة 1942 الموافق لعام 1361 للهجرة، وقد تأثر الملك عبدالعزيز وحزن كثيراً حينما بلغه الخبر، فأرسل أولاً برقية عزاء إلى أهله وذويه، ثم أرسل فيما بعد نجليه الأميرين (الملكين لاحقاً) سعود وخالد إلى الكويت لتقديم واجب العزاء باسم جلالته.
أنجب النفيسي عشرة أبناء من الذكور، أكبرهم عبدالرحمن الذي اشتغل في التجارة ما بين الكويت والعراق، لكن أشهرهم هو عبدالعزيز الذي خلف والده في تمثيل الملك عبدالعزيز في الكويت من عام 1942 إلى تاريخ وفاته في سنة 1955. وكان شاعراً نبطياً، وأقام لبعض الوقت في الحجاز كرئيس لديوان الأمير (الملك) فيصل بن عبدالعزيز، حينما كان سموه نائباً لوالده في الحجاز. ويقال، إن الملك عبدالعزيز كان يريد تعيينه وزيراً للمالية.
وللنفيسي أحفاد كثر، من أشهرهم حفيده من ولده عبدالعزيز آنف الذكر، وهو «فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله بن حمد النفيسي» الذي تولى أيضاً تمثيل الملك عبدالعزيز في الكويت من عام 1955 وحتى استقلال الكويت سنة 1961، كما أسلفنا.
أسرة النفيسي
في تقرير لها عن آل النفيسي، قالت صحيفة «الراي» الكويتية (14/1/2014)، إن أسرة النفيسي من أشهر الأسر في الكويت والمملكة العربية السعودية، ولها مكانة وصيت ومساهمات في تأسيس الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة، و«برز من أبنائها رجال كثر قديماً وحديثاً تبوأوا مناصب رفيعة في الكويت والسعودية». ثم استطردت متحدثة عن نسبها فذكرت، استناداً إلى العديد من المرويات والمؤلفات وشهادات رجالات البلدين الشقيقين، ومنهم الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي السعودية الأسبق، والشيخ صالح بن عثمان القاضي والمؤرخ أحمد بن عبدالله بن نفيسة في كتابه عن «أسرة النفيسة» والعلامة الشيخ حمد الجاسر في «مجلة العرب» والشيخ محمد بن ناصر العبودي في «معجم أسر القصيم»، والأستاذ عبدالعزيز السناح المطيري في كتابه «أصدق البراهين في معرفة حمران النواظر» والدكتور إبراهيم الجارالله الشريفي في «موسوعة الأسر والقبائل»، أن أسرة النفيسة أو كما تسمى في بعض فروعها بالنفيسي ترجع في نسبها إلى فخذ (العفسة) المتفرع من واصل من قبيلة مطير الغطفانية القيس عيلانية المضرية العدنانية.
ثم تطرق التقرير إلى أسماء بعض رجالات الأسرة ممن شارك ببسالة في حروب قيام الدول السعودية الثلاث، فأتى على ذكر «حمد بن إبراهيم النفيسي» (والد جد المترجَم له) الذي قتل إبراهيم بن حمزة قاتل الإمام تركي، و«عبدالله بن علي النفيسي الشهير بـ(عمعوم)»، الذي تقدم فرقة الفداء، وتسوّر سور الكوت في الأحساء ليلة دخول الملك عبدالعزيز إليها، و«عبدالرحمن بن حمد النفيسي» (جد المترجَم له) الشهير بـ«أبو اليتامى» بسبب سخائه وكرمه وكفالته ورعايته للأيتام، ناهيك، بطبيعة الحال، عن الحاج عبدالله النفيسي وولده عبدالعزيز وحفيده فهد بن عبدالعزيز.