الطموح هو امتلاك الرغبة لتحقيق أمر ما وإنجازه، وهو الخطوة الأولى والمحفز الأول للنجاح. والإنسان الطموح هو ذلك الذي يستثمر طاقته الكامنة وقدراته الجسدية والعقلية والنفسية وجهده الذاتي من أجل تحقيق مآربه في الحياة، وعلى قدر سعيه وعمله وعزمه يكون نجاحه. وصدق شاعر العرب الأكبر المتنبي حينما قال: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم/ وتأتي على قدر الكرام المكارم».
كثيرة هي الشخصيات الخليجية التي دفعتها طموحاتها إلى ركوب الصعاب وتحدي كل عوائق الزمان والمكان، حتى نجحت بفضل الله ثم بفضل مثابرتها وإيمانها وإرادتها الحديدية في تحقيق أحلامها وتطلعاتها الشخصية والوطنية.
لا نتحدث هنا عن الرعيل الأول ممن عاش في زمن ما قبل اكتشاف النفط في خليجنا العربي، فقاسى ما قاساه من شظف العيش وقلة الحيلة وضعف الإمكانات، فذاك حديث آخر، وإنما نتحدث عن زمن ليس ببعيد كثيراً، وعن مكان عزيز على قلوب كل أبناء الخليج، لكن شاءت الأقدار وظروفه الخاصة أن تؤجل انطلاقته التنموية إلى حين.
حديثنا هنا هو عن سلطنة عمان الشقيقة، وعن ابن من أبنائها البررة العصاميين الذي لم يتهيب صعود الجبال، ورفض أن يعيش عند سفوحها، فحفر في الصخر وكافح طويلاً وتنقل من مكان إلى مكان ومن تخصص إلى آخر ومن وظيفة إلى أخرى حتى دانت له المناصب الرفيعة مشفوعة بآيات التكريم والتقدير.
إنه ابن مدينة صور العمانية الساحلية الرابضة على مياه بحر العرب وخليج عمان «محمد بن محفوظ بن سعد العارضي» الذي نشأ في بيئة فقيرة معزولة عن العالم، وفي ظل مجتمع كان ينقصه الكثير من مظاهر الحياة العصرية وأدواتها، فما زاده ذاك إلا تصميماً على تغيير حاله وأحوال قومه نحو الأفضل المتواكب مع متغيرات العالم الأوسع.
ولد العارضي في ولاية صور الواقعة على بعد نحو 150 كم جنوب شرق العاصمة مسقط، في عام 1961 ابناً لأبوين عمانيين. والده محفوظ بن سعد العارضي كان يشغل وظيفة رئيس مكتب الجمارك الإقليمي في ميناء صور، وبسبب متطلبات وظيفته هذا تنقل، مصطحباً أسرته، إلى أجزاء مختلفة من المنطقة الغربية بالسلطنة إلى أن استقرت العائلة في العاصمة مسقط.
ولهذا، شهدت حياة محمد العارضي المبكرة تنقلات وطفولة غير مستقرة، ناهيك عن التحديات والصعوبات المعيشية التي عانى منها، كما بقية مواطنيه، بسبب ضعف أو انعدام خدمات البنية التحتية من كهرباء ومياه وطرق ومستشفيات في حقبة ما قبل تولي جلالة السلطان قابوس مقاليد الحكم سنة 1970. ولعل ما جعل فترة طفولته وصباه وبواكير شبابه أشد قسوة هو ما كانت تمر به بلاده آنذاك من ظروف سياسية غير مستقرة جراء التمرد اليساري الشيوعي في ظفار ضد النظام الشرعي، والذي امتد من 1965 إلى 1975. فما بين عامي 1968 و1969 مثلاً، طالت هجمات المتمردين المسلحة منازل أسرته في الجبل الأسود، كما تعرض المكتب الذي كان يعمل به والده للتفجير، لكن الأخير نجا بأعجوبة.
الانضمام إلى سلاح الجو
أنهى صاحبنا تعليمه الثانوي في مسقط بنجاح، فلعب والده دوراً في تشجيعه على الالتحاق بالخدمة العامة من خلال الانخراط في برامج التدريب الوظيفي للمؤسسات الحكومية، بدلاً من السفر إلى الخارج للدراسة والعمل. وهكذا نجده في بواكير شبابه يلتحق كمتدرب بوزارة النفط والغاز، ليعمل فترة وجيزة ثم ينتقل منها للعمل في ديوان البلاط السلطاني.
في سن السابعة عشرة قرر العارضي أن يختط لنفسه مساراً آخر من خلال الانضمام إلى سلاح الجو السلطاني كي يحقق أمنية راودته منذ الصغر، حينما كان يشاهد الطائرات العسكرية تقلع وتهبط على مدرج بدائي بالقرب من منزل والديه. لم تكن تلك الأمنية سوى العمل كطيار مقاتل يخدم وطنه. وهكذا تم قبوله في سلاح الجو سنة 1978، ثم تم ابتعاثه إلى المملكة المتحدة للدراسة في «الكلية الملكية للقوات الجوية» في كرانويل (Cranwell)، والتي منحته درجة البكالوريوس في العلوم العسكرية. بعد ذلك واصل دراسته في كلية القيادة والأركان في براكنيل (Bracknell) في بريطانيا، وفي جامعة الدفاع الوطني في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية.
رتب ومناصب عسكرية
على إثر عودته إلى بلاده مكللاً بشهاداته العسكرية الرفيعة، تقلب في رتب ومناصب عسكرية عديدة، منها إدارته لعدد من قواعد السلطنة العسكرية متنقلاً من قاعدة إلى أخرى وهو في سن السابعة والعشرين، ثم قيادته للجنة العمانية الأمريكية العسكرية المشتركة، وقيادته للجنة العمانية الإيرانية العسكرية المشتركة، وصولاً إلى ترقيته إلى رتبة لواء ركن طيار وتعيينه في منصب قائد سلاح الجو السلطاني بموجب مرسوم سلطاني برقم 77/92 وتاريخ 23 نوفمبر 1992، فدخل بذلك تاريخ بلاده كأصغر شخصية عمانية عسكرية تتولى هذا المنصب الرفيع الذي ظل يشغله على مدى السنوات العشر التالية إلى عام 2002، حينما تقاعد عن العمل. ومما يحسب له خلال فترة عمله قائداً لسلاح الجو، والتي وصفها ذات مرة بأنها كانت من أجمل سنوات عمره وأكثرها إلهاماً بسبب قربه من سلطان البلاد الراحل، أنه بذل جهوداً مضنية لتوحيد المشتريات العسكرية لدول الخليج العربية الست.
وسام الشرف السلطاني
وتقديراً للمساهمات الكبيرة التي قدمها لسلاح الجو السلطاني العماني، تم تكريمه من قبل السلطان قابوس رحمه الله في عام 2000 بمنحه وسام الشرف السلطاني الذي يعد من أرفع أوسمة التكريم في السلطنة، كما قدرت الدولة جهوده في مجال الخدمة العامة فمنحته وسام الأمجاد ووسام الاستحقاق.
بعد تقاعده، قرر العارضي أن يستثمر خبراته وعلاقاته واحترام الناس له لبدء مسيرة جديدة في حياته العملية وتحقيق طموحات مختلفة، فكانت تلك نقطة تحول مفصلية في حياته غيرت مسيرته وساهمت في صقل شخصيته وأوصلته إلى ما هو عليه اليوم.
مشوار الاستثمار
ومهد لمشواره الجديد بالعودة إلى مقاعد الدراسة، حيث اختار كلية أمريكية راقية هي «كلية جون إف كينيدي للدراسات الحكومية» التابعة لجامعة هارفارد العريقة لنيل درجة الماجستير في الإدارة العامة. فحقق مراده على أكمل وجه وعاد إلى عمان للانخراط في قطاع المال والأعمال. وكانت البداية في عام 2010، حينما تسلم منصب نائب رئيس مجلس إدارة «البنك الوطني العماني»، أحد أكبر المؤسسات المالية في السلطنة وقتذاك، إلى جانب منصب رئيس لجنة الائتمان التابعة للبنك.
استطاع من خلال منصبيه أن يشرف على إستراتيجية نمو البنك وبرامج المسؤولية الاجتماعية المؤسسية، خصوصاً تلك التي ركزت على جيل الشباب. فنجح البنك الوطني العماني، تحت قيادته، في توسيع نطاق أعماله ليشمل الخدمات المصرفية الإسلامية، كما نجح في إقامة ورعاية مؤتمر حول الخدمات المصرفية الإسلامية، علاوة على إقامة مجموعة من البرامج التدريبية المكثفة لموظفيه في هذا الشأن. ولعل أكبر شاهد على تميز العارضي في عمله آنذاك هو أن بنكه حقق جائزة «أفضل مصرف للعام 2012»، المقدمة من مجلة «ذا بانكر The Banker»، والتي عادة تمنح للمؤسسات المالية المتميزة على صعيد الخدمات المصرفية العالمية.
لقد كان لما حققه من نجاحات في عمله المصرفي صدى في أوساط المال والأعمال والاستثمارات، وهو ما شجعه على دخول مجالات الطاقة والعقارات والسياحة وغيرها من خلال تأسيس شركة «رمال للمشاريع الاستثمارية» التي ترأس مجلس إدارتها. وسرعان ما حصدت شركته اسماً ومركزاً مرموقاً، بدليل أن الحكومة العمانية فوضتها لتوجيه الاستثمارات في مجال التطوير العقاري والنفط والغاز وتكنولوجيا المعلومات.
سندس للمشاريع الاستثمارية
وهكذا نجده يترأس شركة «سندس للمشاريع الاستثمارية» التي ركزت أعمالها، تحت قيادة العارضي، على بناء الفنادق والمنتجعات وتقديم الخدمات السياحية الراقية لدعم الأهداف الطموحة للسلطنة في المجال السياحي وفقاً لرؤية البلاد الاقتصادية. وكان من نتائج ذلك ظهور فنادق جديدة في العاصمة وفنادق صديقة للبيئة في الجبل الأخضر ومنتجعات سياحية في ظفار وصحار. وقتها ووجه العارضي بسؤال عن أسباب تركيزه على الاستثمار في المشاريع الفندقية، فكان رده المنطوي على فكر واضح ورؤية استشرافية سديدة هو: «يتمتع القطاع الفندقي المحلي بإمكانات واعدة لم يتم استغلالها بعد بالشكل الصحيح، لذا نركز على الاستثمار في هذا القطاع الحيوي بسلطنة عمان وذلك لتمتعها بكافة المقومات التي تجعلها من أكثر الوجهات السياحية جاذبية في المنطقة بفضل طبيعتها الخلابة وتضاريسها المتنوعة وشعبها المضياف، إلى جانب الاستقرار السياسي والاقتصادي، والازدهار المتواصل. كل هذه العوامل مجتمعة تدفعنا لتركيز استثماراتنا في المجال الفندقي». علاوة على ما سبق شغل العارضي منصب رئيس مجلس إدارة «شركة العارضي لخدمات الطاقة»، التي راحت توفر خدمات الدعم لقطاع النفط والغاز في دول مجلس التعاون الخليجي، كما شغل الرجل حتى عام 2023 منصب رئيس مجلس إدارة بنك صحار الدولي، وهو منصب قيادي قال عنه صاحبه: كانت تجربة ملهمة «تشرفت بخوضها مع فريق استثنائي لا يعرف في طريق التميز أي تردد، وحققنا معاً خلالها نجاحات نوعية للمؤسسة ولاقتصاد عمان».
قيادة إنفستكورب العالمية
النقطة المفصلية الأخرى في حياته حدثت في عام 2014. ففي تلك السنة قرر «نمير قيردار» رئيس مجلس إدارة شركة إنفستكورب العالمية المتخصصة في توفير وإدارة الاستثمارات غير التقليدية، والتي تدير أنشطتها من خلال شبكة من المكاتب في نيويورك ولندن وسويسرا والرياض والبحرين وأبوظبي والدوحة ومومباي وبكين وسنغافورة وطوكيو، أن يتقاعد. ولأن قيردار كان على علم مسبق بسيرة صاحبنا الناصعة ومثابرته ونجاحاته في ميادين المال والأعمال والمصارف، ولأنه كان حريصاً على المحافظة على الثقة العالمية لإنفستكورب واستمرار تحقيقها للأرباح، فقد التقطت بوصلته العارضي، الذي كان عضو مجلس الإدارة غير التنفيذي، ليحل مكانه بدءاً من عام 2015. وكان الاختيار في مكانه، إذ نجح العارضي في استكمال مسيرة الشركة العالمية وتنوع استثماراتها وزيادة قدرات منافستها العالمية وتحقيق الأرباح، بدليل أنه خلال ثلاث سنوات من قيادته للشركة نجح في زيادة الأصول المدارة من 10 إلى 25 مليار دولار، ثم نجح خلال السنوات الثلاث التالية في مضاعفتها لتبلغ 50 مليار دولار، محققاً بذلك طفرات باعثة على الدهشة في طريقة التفكير والجرأة والإقدام المرتكزة على مفهوم التكيف والتطور أو الزوال، ومعطياً للآخرين قصة ملهمة.
بين المقاتلات الحربية والشركات المالية
لكن هل هناك علاقة بين قيادة المقاتلات الحربية وقيادة الشركات المالية والاستثمارية والنجاح فيهما؟ يجيب العارضي، في حوار مع مجلة «الصياد» اللبنانية (يوليو/ أغسطس 2018) قائلاً: «العمل المالي يختلف عن الخدمة في القوات المسلحة، إلا أن ثمة نقاطاً مشتركة بينهما. فالتحليق عالياً في الجو يعطي المرء شعوراً بالتواضع، حيث يرى أن ثمة هدفاً أكبر بكثير يجب السعي إلى تحقيقه، وهو يستعمل الدروس التي تلقنها في الطيران لدى قيامه بدوره في مجالس إدارة الشركات المالية». وأضاف: «إن دور القيادة واجب، في العملين العسكري والمالي، من أجل تطوير إستراتيجيات ناجحة وتطبيقها على نحو دقيق، مع إدارة الناس ومساعدتهم على النمو والتعامل مع التحديات عن طريق دراسة جميع الاحتمالات الممكنة واختيار تلك التي تحمل في طياتها القدر الأقل من المخاطر. ومن نقاط التقارب بين المجالين العسكري والمالي، أنه يحصل في المجالين أن يكون هناك أوضاع يمكن معالجتها مع أخذ كل الوقت المطلوب للتفكير والتقييم، ولكنّ هناك أوضاعاً تتطلب أخذ قرارات سريعة وتنفيذها في أقرب وقت. التحديات مختلفة في المجالين، لكن طريقة معالجتها متقاربة، مع وجوب الاستماع للخبراء والتعلم من الآخرين، والبقاء دائماً على اطلاع لاتخاذ قرارات حكيمة تقود إلى النجاح».
يشغل العارضي عضوية العديد من المراكز والمجالس العالمية المرموقة. فهو عضو في المجلس العالمي للاستشارات بمعهد بروكينغز، وعضو بمجلس أمناء منحة أيزنهاور الأمريكية، وعضو بمجلس مستشاري عميد كلية كينيدي في جامعة هارفارد، وعضو بمركز هارفارد للقيادة العامة، وعضو في المنتدى الاقتصادي العالمي للرؤساء التنفيذيين، وعضو بمجلس مركز ويلسون للاستشارات الدولية.
وهو صاحب 4 إصدارات حتى الآن، وهي: «العرب من أسفل» (رواية عن عطلة صحفي عربي في نيوزيلندا)، و«لآلئ من جزيرة العرب» (مجموعة من الأمثال مستقاة من سيرة الرسول المصطفى)، و«عرب غير مرئيين» (سيرة نخبة من الشخصيات التي أسهمت في نهوض العالم العربي)، علاوة على كتاب «نحو المستقبل»، وهو عبارة عن سيرته الذاتية وسيرة «إنفستكورب».
كثيرة هي الشخصيات الخليجية التي دفعتها طموحاتها إلى ركوب الصعاب وتحدي كل عوائق الزمان والمكان، حتى نجحت بفضل الله ثم بفضل مثابرتها وإيمانها وإرادتها الحديدية في تحقيق أحلامها وتطلعاتها الشخصية والوطنية.
لا نتحدث هنا عن الرعيل الأول ممن عاش في زمن ما قبل اكتشاف النفط في خليجنا العربي، فقاسى ما قاساه من شظف العيش وقلة الحيلة وضعف الإمكانات، فذاك حديث آخر، وإنما نتحدث عن زمن ليس ببعيد كثيراً، وعن مكان عزيز على قلوب كل أبناء الخليج، لكن شاءت الأقدار وظروفه الخاصة أن تؤجل انطلاقته التنموية إلى حين.
حديثنا هنا هو عن سلطنة عمان الشقيقة، وعن ابن من أبنائها البررة العصاميين الذي لم يتهيب صعود الجبال، ورفض أن يعيش عند سفوحها، فحفر في الصخر وكافح طويلاً وتنقل من مكان إلى مكان ومن تخصص إلى آخر ومن وظيفة إلى أخرى حتى دانت له المناصب الرفيعة مشفوعة بآيات التكريم والتقدير.
إنه ابن مدينة صور العمانية الساحلية الرابضة على مياه بحر العرب وخليج عمان «محمد بن محفوظ بن سعد العارضي» الذي نشأ في بيئة فقيرة معزولة عن العالم، وفي ظل مجتمع كان ينقصه الكثير من مظاهر الحياة العصرية وأدواتها، فما زاده ذاك إلا تصميماً على تغيير حاله وأحوال قومه نحو الأفضل المتواكب مع متغيرات العالم الأوسع.
ولد العارضي في ولاية صور الواقعة على بعد نحو 150 كم جنوب شرق العاصمة مسقط، في عام 1961 ابناً لأبوين عمانيين. والده محفوظ بن سعد العارضي كان يشغل وظيفة رئيس مكتب الجمارك الإقليمي في ميناء صور، وبسبب متطلبات وظيفته هذا تنقل، مصطحباً أسرته، إلى أجزاء مختلفة من المنطقة الغربية بالسلطنة إلى أن استقرت العائلة في العاصمة مسقط.
ولهذا، شهدت حياة محمد العارضي المبكرة تنقلات وطفولة غير مستقرة، ناهيك عن التحديات والصعوبات المعيشية التي عانى منها، كما بقية مواطنيه، بسبب ضعف أو انعدام خدمات البنية التحتية من كهرباء ومياه وطرق ومستشفيات في حقبة ما قبل تولي جلالة السلطان قابوس مقاليد الحكم سنة 1970. ولعل ما جعل فترة طفولته وصباه وبواكير شبابه أشد قسوة هو ما كانت تمر به بلاده آنذاك من ظروف سياسية غير مستقرة جراء التمرد اليساري الشيوعي في ظفار ضد النظام الشرعي، والذي امتد من 1965 إلى 1975. فما بين عامي 1968 و1969 مثلاً، طالت هجمات المتمردين المسلحة منازل أسرته في الجبل الأسود، كما تعرض المكتب الذي كان يعمل به والده للتفجير، لكن الأخير نجا بأعجوبة.
الانضمام إلى سلاح الجو
أنهى صاحبنا تعليمه الثانوي في مسقط بنجاح، فلعب والده دوراً في تشجيعه على الالتحاق بالخدمة العامة من خلال الانخراط في برامج التدريب الوظيفي للمؤسسات الحكومية، بدلاً من السفر إلى الخارج للدراسة والعمل. وهكذا نجده في بواكير شبابه يلتحق كمتدرب بوزارة النفط والغاز، ليعمل فترة وجيزة ثم ينتقل منها للعمل في ديوان البلاط السلطاني.
في سن السابعة عشرة قرر العارضي أن يختط لنفسه مساراً آخر من خلال الانضمام إلى سلاح الجو السلطاني كي يحقق أمنية راودته منذ الصغر، حينما كان يشاهد الطائرات العسكرية تقلع وتهبط على مدرج بدائي بالقرب من منزل والديه. لم تكن تلك الأمنية سوى العمل كطيار مقاتل يخدم وطنه. وهكذا تم قبوله في سلاح الجو سنة 1978، ثم تم ابتعاثه إلى المملكة المتحدة للدراسة في «الكلية الملكية للقوات الجوية» في كرانويل (Cranwell)، والتي منحته درجة البكالوريوس في العلوم العسكرية. بعد ذلك واصل دراسته في كلية القيادة والأركان في براكنيل (Bracknell) في بريطانيا، وفي جامعة الدفاع الوطني في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية.
رتب ومناصب عسكرية
على إثر عودته إلى بلاده مكللاً بشهاداته العسكرية الرفيعة، تقلب في رتب ومناصب عسكرية عديدة، منها إدارته لعدد من قواعد السلطنة العسكرية متنقلاً من قاعدة إلى أخرى وهو في سن السابعة والعشرين، ثم قيادته للجنة العمانية الأمريكية العسكرية المشتركة، وقيادته للجنة العمانية الإيرانية العسكرية المشتركة، وصولاً إلى ترقيته إلى رتبة لواء ركن طيار وتعيينه في منصب قائد سلاح الجو السلطاني بموجب مرسوم سلطاني برقم 77/92 وتاريخ 23 نوفمبر 1992، فدخل بذلك تاريخ بلاده كأصغر شخصية عمانية عسكرية تتولى هذا المنصب الرفيع الذي ظل يشغله على مدى السنوات العشر التالية إلى عام 2002، حينما تقاعد عن العمل. ومما يحسب له خلال فترة عمله قائداً لسلاح الجو، والتي وصفها ذات مرة بأنها كانت من أجمل سنوات عمره وأكثرها إلهاماً بسبب قربه من سلطان البلاد الراحل، أنه بذل جهوداً مضنية لتوحيد المشتريات العسكرية لدول الخليج العربية الست.
وسام الشرف السلطاني
وتقديراً للمساهمات الكبيرة التي قدمها لسلاح الجو السلطاني العماني، تم تكريمه من قبل السلطان قابوس رحمه الله في عام 2000 بمنحه وسام الشرف السلطاني الذي يعد من أرفع أوسمة التكريم في السلطنة، كما قدرت الدولة جهوده في مجال الخدمة العامة فمنحته وسام الأمجاد ووسام الاستحقاق.
بعد تقاعده، قرر العارضي أن يستثمر خبراته وعلاقاته واحترام الناس له لبدء مسيرة جديدة في حياته العملية وتحقيق طموحات مختلفة، فكانت تلك نقطة تحول مفصلية في حياته غيرت مسيرته وساهمت في صقل شخصيته وأوصلته إلى ما هو عليه اليوم.
مشوار الاستثمار
ومهد لمشواره الجديد بالعودة إلى مقاعد الدراسة، حيث اختار كلية أمريكية راقية هي «كلية جون إف كينيدي للدراسات الحكومية» التابعة لجامعة هارفارد العريقة لنيل درجة الماجستير في الإدارة العامة. فحقق مراده على أكمل وجه وعاد إلى عمان للانخراط في قطاع المال والأعمال. وكانت البداية في عام 2010، حينما تسلم منصب نائب رئيس مجلس إدارة «البنك الوطني العماني»، أحد أكبر المؤسسات المالية في السلطنة وقتذاك، إلى جانب منصب رئيس لجنة الائتمان التابعة للبنك.
استطاع من خلال منصبيه أن يشرف على إستراتيجية نمو البنك وبرامج المسؤولية الاجتماعية المؤسسية، خصوصاً تلك التي ركزت على جيل الشباب. فنجح البنك الوطني العماني، تحت قيادته، في توسيع نطاق أعماله ليشمل الخدمات المصرفية الإسلامية، كما نجح في إقامة ورعاية مؤتمر حول الخدمات المصرفية الإسلامية، علاوة على إقامة مجموعة من البرامج التدريبية المكثفة لموظفيه في هذا الشأن. ولعل أكبر شاهد على تميز العارضي في عمله آنذاك هو أن بنكه حقق جائزة «أفضل مصرف للعام 2012»، المقدمة من مجلة «ذا بانكر The Banker»، والتي عادة تمنح للمؤسسات المالية المتميزة على صعيد الخدمات المصرفية العالمية.
لقد كان لما حققه من نجاحات في عمله المصرفي صدى في أوساط المال والأعمال والاستثمارات، وهو ما شجعه على دخول مجالات الطاقة والعقارات والسياحة وغيرها من خلال تأسيس شركة «رمال للمشاريع الاستثمارية» التي ترأس مجلس إدارتها. وسرعان ما حصدت شركته اسماً ومركزاً مرموقاً، بدليل أن الحكومة العمانية فوضتها لتوجيه الاستثمارات في مجال التطوير العقاري والنفط والغاز وتكنولوجيا المعلومات.
سندس للمشاريع الاستثمارية
وهكذا نجده يترأس شركة «سندس للمشاريع الاستثمارية» التي ركزت أعمالها، تحت قيادة العارضي، على بناء الفنادق والمنتجعات وتقديم الخدمات السياحية الراقية لدعم الأهداف الطموحة للسلطنة في المجال السياحي وفقاً لرؤية البلاد الاقتصادية. وكان من نتائج ذلك ظهور فنادق جديدة في العاصمة وفنادق صديقة للبيئة في الجبل الأخضر ومنتجعات سياحية في ظفار وصحار. وقتها ووجه العارضي بسؤال عن أسباب تركيزه على الاستثمار في المشاريع الفندقية، فكان رده المنطوي على فكر واضح ورؤية استشرافية سديدة هو: «يتمتع القطاع الفندقي المحلي بإمكانات واعدة لم يتم استغلالها بعد بالشكل الصحيح، لذا نركز على الاستثمار في هذا القطاع الحيوي بسلطنة عمان وذلك لتمتعها بكافة المقومات التي تجعلها من أكثر الوجهات السياحية جاذبية في المنطقة بفضل طبيعتها الخلابة وتضاريسها المتنوعة وشعبها المضياف، إلى جانب الاستقرار السياسي والاقتصادي، والازدهار المتواصل. كل هذه العوامل مجتمعة تدفعنا لتركيز استثماراتنا في المجال الفندقي». علاوة على ما سبق شغل العارضي منصب رئيس مجلس إدارة «شركة العارضي لخدمات الطاقة»، التي راحت توفر خدمات الدعم لقطاع النفط والغاز في دول مجلس التعاون الخليجي، كما شغل الرجل حتى عام 2023 منصب رئيس مجلس إدارة بنك صحار الدولي، وهو منصب قيادي قال عنه صاحبه: كانت تجربة ملهمة «تشرفت بخوضها مع فريق استثنائي لا يعرف في طريق التميز أي تردد، وحققنا معاً خلالها نجاحات نوعية للمؤسسة ولاقتصاد عمان».
قيادة إنفستكورب العالمية
النقطة المفصلية الأخرى في حياته حدثت في عام 2014. ففي تلك السنة قرر «نمير قيردار» رئيس مجلس إدارة شركة إنفستكورب العالمية المتخصصة في توفير وإدارة الاستثمارات غير التقليدية، والتي تدير أنشطتها من خلال شبكة من المكاتب في نيويورك ولندن وسويسرا والرياض والبحرين وأبوظبي والدوحة ومومباي وبكين وسنغافورة وطوكيو، أن يتقاعد. ولأن قيردار كان على علم مسبق بسيرة صاحبنا الناصعة ومثابرته ونجاحاته في ميادين المال والأعمال والمصارف، ولأنه كان حريصاً على المحافظة على الثقة العالمية لإنفستكورب واستمرار تحقيقها للأرباح، فقد التقطت بوصلته العارضي، الذي كان عضو مجلس الإدارة غير التنفيذي، ليحل مكانه بدءاً من عام 2015. وكان الاختيار في مكانه، إذ نجح العارضي في استكمال مسيرة الشركة العالمية وتنوع استثماراتها وزيادة قدرات منافستها العالمية وتحقيق الأرباح، بدليل أنه خلال ثلاث سنوات من قيادته للشركة نجح في زيادة الأصول المدارة من 10 إلى 25 مليار دولار، ثم نجح خلال السنوات الثلاث التالية في مضاعفتها لتبلغ 50 مليار دولار، محققاً بذلك طفرات باعثة على الدهشة في طريقة التفكير والجرأة والإقدام المرتكزة على مفهوم التكيف والتطور أو الزوال، ومعطياً للآخرين قصة ملهمة.
بين المقاتلات الحربية والشركات المالية
لكن هل هناك علاقة بين قيادة المقاتلات الحربية وقيادة الشركات المالية والاستثمارية والنجاح فيهما؟ يجيب العارضي، في حوار مع مجلة «الصياد» اللبنانية (يوليو/ أغسطس 2018) قائلاً: «العمل المالي يختلف عن الخدمة في القوات المسلحة، إلا أن ثمة نقاطاً مشتركة بينهما. فالتحليق عالياً في الجو يعطي المرء شعوراً بالتواضع، حيث يرى أن ثمة هدفاً أكبر بكثير يجب السعي إلى تحقيقه، وهو يستعمل الدروس التي تلقنها في الطيران لدى قيامه بدوره في مجالس إدارة الشركات المالية». وأضاف: «إن دور القيادة واجب، في العملين العسكري والمالي، من أجل تطوير إستراتيجيات ناجحة وتطبيقها على نحو دقيق، مع إدارة الناس ومساعدتهم على النمو والتعامل مع التحديات عن طريق دراسة جميع الاحتمالات الممكنة واختيار تلك التي تحمل في طياتها القدر الأقل من المخاطر. ومن نقاط التقارب بين المجالين العسكري والمالي، أنه يحصل في المجالين أن يكون هناك أوضاع يمكن معالجتها مع أخذ كل الوقت المطلوب للتفكير والتقييم، ولكنّ هناك أوضاعاً تتطلب أخذ قرارات سريعة وتنفيذها في أقرب وقت. التحديات مختلفة في المجالين، لكن طريقة معالجتها متقاربة، مع وجوب الاستماع للخبراء والتعلم من الآخرين، والبقاء دائماً على اطلاع لاتخاذ قرارات حكيمة تقود إلى النجاح».
يشغل العارضي عضوية العديد من المراكز والمجالس العالمية المرموقة. فهو عضو في المجلس العالمي للاستشارات بمعهد بروكينغز، وعضو بمجلس أمناء منحة أيزنهاور الأمريكية، وعضو بمجلس مستشاري عميد كلية كينيدي في جامعة هارفارد، وعضو بمركز هارفارد للقيادة العامة، وعضو في المنتدى الاقتصادي العالمي للرؤساء التنفيذيين، وعضو بمجلس مركز ويلسون للاستشارات الدولية.
وهو صاحب 4 إصدارات حتى الآن، وهي: «العرب من أسفل» (رواية عن عطلة صحفي عربي في نيوزيلندا)، و«لآلئ من جزيرة العرب» (مجموعة من الأمثال مستقاة من سيرة الرسول المصطفى)، و«عرب غير مرئيين» (سيرة نخبة من الشخصيات التي أسهمت في نهوض العالم العربي)، علاوة على كتاب «نحو المستقبل»، وهو عبارة عن سيرته الذاتية وسيرة «إنفستكورب».