علي المزروعي بالزي العماني في مسقط سنة 1992.
علي المزروعي بالزي العماني في مسقط سنة 1992.




البروفيسور علي بن الأمين علي عبدالله نافع المزروعي (1933 ــ 2014) في شبابه.
البروفيسور علي بن الأمين علي عبدالله نافع المزروعي (1933 ــ 2014) في شبابه.




والده قاضي قضاة كينيا الشيخ الأمين بن عبدالله بن نافع المزروعي.
والده قاضي قضاة كينيا الشيخ الأمين بن عبدالله بن نافع المزروعي.




المزروعي إلى اليسار إبان زيارته الأخيرة لعُمان عام 2013.
المزروعي إلى اليسار إبان زيارته الأخيرة لعُمان عام 2013.




المزروعي خلف مكتبه في نيويورك.
المزروعي خلف مكتبه في نيويورك.




المزروعي في مسقط رأسه بممباسا.
المزروعي في مسقط رأسه بممباسا.
-A +A
بقلم: د. عبدالله المدني abu_taymour@
قبيلة المزاريع (مفردها مزروعي) قبيلة عربية عمانية يعود نسبها إلى زيد بن كهلان بن عدي بن عبد شمس بن وائل، وينتهي بسبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وطبقاً لما كتبه الباحث في التاريخ العماني الدكتور سليمان المحذوري في صحيفة «الأثير» العمانية (1/‏9/‏2022)، فإن أفراد القبيلة يتوزعون في مناطق مختلفة من سلطنة عمان مثل منح وسمائل وبهلا ونزوى وعبري والسويق وشناص، لكن أغلبهم يسكنون الرستاق وقراها. هذا علماً بألا صلة لهم بقبيلة تحمل الاسم نفسه وينتشر أبناؤها في دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية.

والحقيقة أن الحديث يطول عن المزاريع العمانيين، كونهم لعبوا في الماضي أدواراً سياسية بارزة في شرق أفريقيا، ولاسيما في «ممباسا» التابعة اليوم لجمهورية كينيا، وكانت لهم فيها جهود حضارية لجهة نشر الإسلام والثقافة واللغة العربيتين. ومن هذا المنطلق رأينا أن نخصص هذه المادة للحديث عنهم بصفة عامة، وعن أحد أعلامهم الكبار وهو البروفيسور علي الأمين المزروعي بصفة خاصة، مستندين في ذلك على مراجع تاريخية عدة، على رأسها نص محاضرة قيمة ألقاها الدكتور المحذوري ضمن أعمال ندوة «من مسقط إلى ممباسا» التي نظمتها الجمعية العمانية للكتاب والأدباء في نوفمبر 2019.


عن هجرة المزاريع إلى شرق أفريقيا، يخبرنا المحذوري أنها حدثت في أعقاب تحرير الإمام سيف بن سلطان اليعربي الأول لممباسا من السيطرة البرتغالية عام 1698، مضيفا أن الوالي ناصر بن عبدالله المزروعي، والأمير مبارك بن غريب المزروعي وأولاده كانوا أول المهاجرين من عمان إلى ممباسا. بعد ذلك توالت هجرات المزاريع وغيرهم من الأسر العمانية، فاستوطن بعضهم ممباسا واستوطن البعض الآخر جزيرة زنجبار وجزيرة بمبا المعروفة باسم الجزيرة الخضراء. ويخبرنا المحذوري أيضاً أن البرتغاليين عادوا مرة أخرى ونجحوا في الاستيلاء على ممباسا مجدداً زمن الإمام سلطان بن سيف بن سلطان اليعربي الذي جهز حملة بحرية لاستعادتها، أوكل قيادتها لمبارك بن غريب المزروعي. حيث نجح الأخير في مهمته بعد حصار طويل دام 33 شهراً. ومكافأة للمزاريع تم تعيين ناصر بن عبدالله المزروعي والياً من قبل السلاطين اليعاربة على ممباسا ومشرفاً على كافة الأجزاء الخاضعة لليعاربة في شرق أفريقيا. وبهذا يعتبر ناصر المزروعي أول شخصية تنتمي للمزاريع يتقلد ولاية ممباسا، ومن خلاله بدأ نفوذهم السياسي في شرق أفريقيا. هذا النفوذ السياسي الذي أخذ يتوسع ويمتد حتى وصل جزيرتي «بمبا» و«باتي» ومدينة «براوة» وميناء «ماليندي»، بدليل أن أهالي هذه المناطق وغيرها كانوا يحتمون بهم ويلجأون إليهم في نزاعاتهم، ثم بدليل أن المزاريع كانوا يعينون الولاة على المناطق الداخلة في نفوذهم دون أن يعزلوا السلاطين المحليين أو رؤساء القبائل الأفريقية.

وحينما عانت عمان لاحقاً من الصراعات الداخلية على السلطة والحروب الأهلية في نهايات دولة اليعاربة، انتهز المزاريع الفرصة، زمن الوالي محمد بن عثمان المزروعي، ليعلنوا عدم خضوعهم للسلطة المركزية في عمان واستقلالهم بحكم ممباسا وما جاورها، غير أنه مع تأسيس الدولة البوسعيدية في عمان سنة 1744 رفض إمامها القوي السيد أحمد بن سعيد انسلاخ المزاريع عن التبعية لعمان ونجح في فرض سيطرته وسيادته على شرق أفريقيا وإخضاع المزاريع لسلطته.

غير أن المزاريع لم يستكينوا ورفضوا الإقرار بهزيمتهم، ولجأ بعض ولاتهم إلى الإنجليز عام 1809، طالبين الحماية من حكومة الهند البريطانية من أجل مواجهة إمام عمان آنذاك السيد سعيد بن سلطان (1804 ــ 1856). على أن طلبهم هذا قوبل بالرفض بسبب العلاقات الودية بين الإمام السيد سعيد وبريطانيا العظمى.

وفي عام 1824 وصل القبطان الإنجليزي أوين Owen إلى ممباسا، حيث عرض المزاريع عليه إدخال ممباسا وسائر البلدان التابعة لهم في شرق أفريقيا تحت الحماية البريطانية فقبل أوين العرض وأبرم اتفاقاً معهم تضمت بنوده أن تعيد بريطانيا إلى المزاريع جميع البلدان التي كانوا يديرونها، وأن يسمح لهم بحكم ممباسا وراثياً، وأن تعين بريطانيا وكيلاً سياسياً لها هناك، وأن يؤذن لرعايا بريطانيا بالاتجار في تلك المناطق بحرية، وأن تلغى تجارة الرقيق في ممباسا. هذا علماً بأن اتفاقية الحماية هذه لم تدم سوى 30 شهراً وانتهت في 1826.

في عام 1836 حدثت خلافات ونشبت صراعات بين المزاريع أنفسهم، وهو ما دفع مجموعة من أهالي ممباسا إلى الاستغاثة بالإمام السيد سعيد بن سلطان الذي وجدها فرصة لتقليص نفوذ المزاريع تدريجياً، ففرض على الوالي راشد بن سالم المزروعي القدوم إلى زنجبار سنة 1837 حيث عرض عليه هدية بقيمة عشرة آلاف قرش مع راتب شهري طيلة حياته بواقع 300 قرش شهرياً، إضافة إلى تعيينه والياً على جزيرة بمبا (الجزيرة الخضراء)، لكن راشد المزروعي رفض تلك العروض، وهو ما دعا السلطان السيد سعيد إلى إرسال قواته بقيادة ابنه خالد للقبض على المزروعي و25 شيخاً من أتباعه، ونفيهم إلى ميناء بندر عباس الإيراني التابع آنذاك لعمان. أما المجموعات الأخرى من المزاريع فقد فرت إلى مناطق مختلفة.

بعد قضاء السلطان السيد سعيد على نفوذ المزاريع في ممباسا، نجحوا في تأسيس إمارتين لهم في كل من «غاسي» بجنوب ممباسا تحت زعامة مبارك بن راشد بن سالم المزروعي، و«تاكوانغو» بشمالها تحت زعامة سالم بن خميس المزروعي. كان مبارك المزروعي صاحب تطلعات توسعية وميالاً للثورة ضد سلاطين زنجبار العمانيين إلى درجة أنه أطلق على نفسه لقب «أمير المؤمنين»، كما كان يسعى إلى توحيد الإمارتين تحت قيادته المطلقة، وهو ما أدخله في صراعات مع قريبه سالم بن خميس. بل قام بالفعل بثورة ضد ولاة ممباسا من العائلة البوسعيدية في عام 1864 وقاد أيضاً معارك ضد حكم سلطان زنجبار السيد برغش بن سعيد البوسعيدي (1870 ــ 1888). وكي يحمي نفسه وسلطته، قام مبارك المزروعي، إبان عهد سلطان زنجبار السيد خليفة بن سعيد البوسعيدي (1888 ــ 1890)، بمكاتبة شركة مكينزي البريطانية حول وضع نفسه وممتلكاته ورعاياه تحت حماية وسلطة الشركة مقابل أن يرفع العلم البريطاني وأن يُخصص له راتب قدره 2,000 روبية. غير أن علاقة الطرفين شهدت توترات جراء تنصل الشيخ مبارك من تعهداته وقيامه بإثارة المتاعب للزنجباريين والإنجليز معاً، الأمر الذي قرر الإنجليز معه ملاحقته من مكان إلى آخر. وبسبب كبر سنه وافتقاره للأسلحة والمعدات الحديثة لمواجهة خصومه، آثر الفرار واللجوء إلى مناطق النفوذ الألماني في شرق أفريقيا إلى أن استسلم في 1896 لحاكم شركة شرق أفريقيا الألمانية، ليبقى بعد ذلك في دار السلام حتى تاريخ وفاته عام 1912.

من أحفاد وأعلام المزاريع في شرق أفريقيا ممن برز في العصر الحديث، البروفيسور والمفكر العماني الأصل الكيني الجنسية «علي بن الأمين بن علي بن عبدالله المزروعي» المولود في ممباسا عام 1933 ابناً لأبيه الشيخ الأمين بن علي المزروعي (ت: 1947) الذي شغل منصب قاضي قضاة كينيا وكان من دعاة وناشري فكر الشيخ محمد عبده الإصلاحي، وهو من أسس في 1930 دورية باسم «الصحيفة» باللغة السواحيلية، ثم أسس في 1932 جريدة «الإصلاح» باللغتين العربية والسواحيلية. وهو أيضاً من مؤسسي الجمعية العربية في زنجبار ومن دعاة تعريب المناهج المدرسية. أما جد صاحبنا فهو الشيخ علي بن عبدالله بن نافع المزروعي الذي برز وتولى القضاء في ممباسا إبان عهد السلطان السيد ماجد بن سعيد البوسعيدي الذي حكم زنجبار وتوابعها من عام 1856 وحتى وفاته في عام 1870.

أراد والد البروفسور علي الأمين أن يرسله إلى مصر للدراسة في الأزهر الشريف كي يغدو قاضياً مثله ومثل جده، إلا أن ظروفاً طارئة حالت دون ذلك، فذهب بدلاً من ذلك إلى بريطانيا حيث أكمل دراسته الثانوية، ثم التحق بجامعة مانشستر التي منحته شهادة البكالوريوس. بعد ذلك حصل على منحة لدراسة الماجستير بجامعة كولومبيا الأمريكية في نيويورك، فأنهاها في تسعة أشهر من عام 1961، ليعود إلى بريطانيا في بعثة لدراسة الدكتوراه بجامعة أكسفورد.

في أعقاب حصوله على درجة الدكتوراه سنة 1966، فضل أن يذهب إلى أوغندا، للتدريس في جامعة ماكريري الراقية في العاصمة كمبالا (أنشئت سنة 1922 لكي تكون نسخة أفريقية من جامعتي أكسفورد وكامبريدج، وظلت تتطور وكانت لمدة طويلة ذات مستوى عالٍ ومتميز وتخرج منها معظم قادة وأعلام دول شرق أفريقيا)، حيث عمل على مدى عشر سنوات كمحاضر أولاً ثم عميداً لكلية العلوم الاجتماعية، لكن قيام عيدي أمين بانقلاب عسكري في أوغندا سنة 1971 وما تلا ذلك من فوضى واضطرابات وسياسات عبثية أجبرته على مغادرة أوغندا مع أسرته إلى الولايات المتحدة الامريكية. وفي الأخيرة استقر وعمل في السلك الأكاديمي، متنقلاً بين جامعة ميشيغان وجامعة بينغهامتون في نيويورك وغيرهما أستاذاً للعلوم السياسية والإنسانيات.

الحياة في أمريكا

كانت سنوات حياته في الولايات المتحدة حافلة بالنشاط والاحتفاء بشخصه وعلمه. فخلالها رأَسَ «معهد دراسات الثقافة الدولية» بنيويورك، وكان أحد أعضاء مجلس إدارة «المجلس الإسلامي الأمريكي» ورئيس مجلس إدارة «مركز دراسات الإسلام والديمقراطية» بواشنطن، وصاحب مشاركات هامة في «مركز التفاهم الإسلامي المسيحي» التابع لجامعة جورج تاون، الأمر الذي أكسبه شهرة واسعة، تجلت في اختياره من قبل مجلتي «فورين أفيرز» الأمريكية و«بروسبيكت» البريطانية في 2014 ضمن أفضل 100 مفكر على قيد الحياة، كما أطلقت عليه جامعة لينكولن الأمريكية في بنسلفانيا لقب «أيقونة القرن العشرين»، وكرمه مجلس اللوردات البريطاني سنة 2000، ونال جائزة «دوبوا ــ غارفي» للوحدة الأفريقية من جامعة ولاية مورغان في ميريلاند عام 1998، وتم تعيينه أستاذاً متجولاً لفكر ابن خلدون بكلية العلوم الإسلامية والاجتماعية في جامعة ليسبورغ في فرجينيا عام 1997.

وإبان حياته وعمله في الولايات المتحدة لم ينسَ هويته العربية ولم يتنكر لهويته الأفريقية، إذ ظل محتفظاً باسمه العربي ولقبه العماني، وقام بزيارات لمعظم البلاد العربية، ومنها سلطنة عمان التي زارها عام 1992 للمرة الأولى وتجول في قرى وبلدات أجداده المزاريع، قبل أن يزورها ثانياً في 2013، وأطلق منها مشروعه الخاص المسمى «أفرابيا»، محاولاً إعادة تجسير العلاقات العربية - الأفريقية من مدخل الهوية والثقافة واللسان.

في 12 أكتوبر 2014 توفي المزروعي بمنزله في نيويورك بعد صراع طويل مع مرض السرطان، ونقل جثمانه إلى كينيا ودفن في ممباسا، تاركاً خلفه ما يزيد على 30 مؤلفاً في العلاقات الدولية والسياسة المقارنة والنظرية السياسية والفلسفة وعلم الاجتماع واللغويات والدراسات الأدبية والاجتماعية ودراسات ما بعد الكولونيالية، علاوة على الكثير من المقالات والأبحاث المنشورة في مطبوعات عالمية.

تاريخ أفريقيا

من أهم كتبه: «الأيديولوجيا والطموح»، «نحو تحالف أفريقي»، «المفاهيم السياسية للغة الإنجليزية»، «علاقات أفريقيا الدولية»، «دراسات في النظام العالمي.. براهمة العالم ومنبوذوه»، «الساميون العظماء: يهود أوروبا والأفارقة العرب»، «القوى الثقافية في السياسة الدولية»، «قضايا فكرية أفريقية»، «الإسلام والديمقراطية الغربية والثورة الصناعية: صراع أم التقاء؟»، «القيم الإسلامية والقيم الغربية»، «القيم السياسية وطبقة المتعلمين في أفريقيا»، وكتاب «سياسة الحرب وثقافة العنف» الصادر سنة 2008، وهو آخر أعماله بالاشتراك مع باحثين آخرين.

إلى ما سبق، أعد في 1986 لصالح التلفزيون البريطاني سلسلة حلقات عن أفريقيا لاقت نجاحاً كبيراً، كما شارك في إعداد الموسوعة الممتازة التي أصدرها اليونسكو تحت عنوان «تاريخ أفريقيا».

ومما يذكر عنه، أنه لم يكن معجباً بالزعامات التي نشأت في الدول الأفريقية بعد الاستعمار، لأنهم - طبقاً له - حولوا أوطانهم المستقلة إلى دول فاشلة ومضطربة من بعد أن كانت مزدهرة وآمنة. ومن هذا المنطلق، دعا في تسعينات القرن العشرين بعودة الاستعمار إلى أفريقيا بشكل أو بآخر، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في حينه.