مدخل المدرسة المباركية وقد رُفعت فوقه يافطة بخط السيد عمر.
مدخل المدرسة المباركية وقد رُفعت فوقه يافطة بخط السيد عمر.




السيد عمر بن السيد عاصم الأزميري (1870 ــ 1950) بمكة عام 1919، ثم بالكويت عام 1940.
السيد عمر بن السيد عاصم الأزميري (1870 ــ 1950) بمكة عام 1919، ثم بالكويت عام 1940.




أول علم لإمارة الكويت.
أول علم لإمارة الكويت.




صورة من مطلع القرن الـ20 ويبدو فيها من اليمين: 
السيد عمر فالملا عثمان عبداللطيف العثمان فالملا محمد إسماعيل الغانم فالسيد محمد بن عمر بن عاصم.
صورة من مطلع القرن الـ20 ويبدو فيها من اليمين: السيد عمر فالملا عثمان عبداللطيف العثمان فالملا محمد إسماعيل الغانم فالسيد محمد بن عمر بن عاصم.




ولداه محمد (يمين) وأحمد (يسار).
ولداه محمد (يمين) وأحمد (يسار).
-A +A
بقلم: د. عبدالله المدني أستاذ العلاقات الدولية في مملكة البحرين abu_taymour@
يقول الباحث الكويتي المرحوم عبدالله خالد الحاتم في الصفحات (15 ــ 16) من الطبعة الثانية المنقحة من كتابه التوثيقي «من هنا بدأت الكويت» الصادر عن دار القبس في عام 1980 إن علم الدولة العثمانية كان يرفرف على الكويت شأنها في ذلك شأن المناطق المجاورة الخاضعة فعلياً أو اسمياً لسلطة الأتراك العثمانيين، حيث لم يكن للكويت علم خاص بها حتى الحرب العالمية الأولى سنة 1914. ويضيف قائلاً إنه في إحدى السنوات المبكرة من الحرب كانت إحدى السفن الكويتية التابعة للحاج حمد العبدالله الصقر تجتاز منطقة «الفاو» رافعة العلم العثماني، فاعترضتها سفينة إنجليزية كانت مرابطة هناك بإطلاق قذائف تحذيرية للوقوف، ولما تبيّن أن السفينة عائدة لأحد رعايا حليف بريطانيا العظمى الشيخ مبارك الصباح، سمح لها بمواصلة السير بعد أن طلب من قبطانها إنزال العلم العثماني.

بعد هذه الحادثة، جرت محادثات بين الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت والسير بيرس كوكس المقيم السياسي البريطاني في الخليج آنذاك، فتقرر أن تكون للكويت راية خاصة بها ذات لون أحمر تتوسطه كلمة «كويت» باللون الأبيض، وأن تحل هذه الراية مكان العلم العثماني. ويخبرنا الحاتم أن الذي اقترح وضع اسم الكويت في وسط العلم وخطه بيده هو السيد عمر الأزميري، ويخبرنا أيضاً أنه في زمن الحاكم التالي الشيخ أحمد الجابر الصباح أضيفت للعلم في جانبه الأيمن عبارة «لا إله إلا الله محمد رسول الله».


كان هذا، بطبيعة الحال، في السنوات السابقة لاستقلال الكويت عن بريطانيا سنة 1961، حيث إن العلم السابق استبدل بعلم جديد بموجب قانون أصدره الشيخ عبدالله السالم الصباح في 7 سبتمبر 1961 قضى بأن يكون للكويت علم جديد يتلاءم مع وضعها الجديد كدولة عربية مستقلة، ويستوحى تصميمها من بيت الشاعر العربي صفي الدين الحلي:

بيض صنائعنا سود مواقعنا

خضر مرابعنا حمر مواضينا

فمن هو يا ترى السيد عمر الأزميري الذي اقترح مواصفات أول علم لإمارة الكويت قبل استقلالها؟ والذي يقال أيضاً إنه أول من خط بيده العلم السعودي الأول زمن الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه.

إنه رجل علم وعمل وفضل وتقوى، من نسل الدوحة النبوية الشريفة، وارتبط اسمه بالمدرسة المباركية، وكان من جلساء ورجالات الشيخ مبارك الصباح المخلصين، وله ذكر مجيد في تاريخ الكويت التعليمي والتربوي، وكذا لأبنائه.

يعتبر «السيد عمر بن عاصم بن أحمد بن حسين الحسني الهاشمي» هو المؤسس لأسرة آل السادة الأشراف في الكويت. كان أجداده يقيمون منذ فجر الإسلام في قرية الجموم بوادي فاطمة في الحجاز، الواقعة على بعد نحو 20 كيلومتراً من مكة المكرمة، وظلوا كذلك إلى أن تفرقوا في ربوع الدولة الإسلامية طلباً للعلم أو سعياً للدعوة أو بحثاً عن الأمن والأمان. وهكذا ارتحل جده السيد أحمد إلى الجزائر للدعوة، لكنه بعد عقود طويلة من إقامته هناك اضطر بسبب تعسف المستعمرين الفرنسيين أن يبحر صوب تركيا، فحلّ في ميناء أزمير في أوائل القرن التاسع عشر، حيث تزوج واستقر وأنجب ابنه السيد عاصم (والد المترجَم له) الذي أنجب بدوره في عام 1870 صبياً سماه عمر (المترجَم له) تيمناً باسم الخليفة الراشد الثاني، ولأن الأخير ولد في أزمير فقد ألصق باسمه لقب «الأزميري»، على الرغم من عدم وجوده في وثائقه الرسمية.

نشأ السيد عمر وترعرع في تركيا وسط أسرة علم ودين وفقه ولغة ومكانة لدى السلطات العثمانية بسبب نسبها الشريف، وتعلم العربية والتركية في مدارس تلك الحقبة وعلى يد والده والشيخ عمر لطفي، وحينما شب أوكلت له السلطات العثمانية مهمة السفر إلى الهند في أواخر القرن الـ19 لإقناع مسلميها وقادة الفكر والرأي فيها بالوقوف في صف الدولة العثمانية والدفاع عنها.

كان على المسافر إلى الهند آنذاك أن ينطلق براً من إسطنبول إلى الكويت مروراً بسوريا والعراق، كي يستقل من الكويت سفينة شراعية تأخذه إلى الهند. وتشاء الأقدار أن يلتقي السيد عمر وهو في الكويت بحاكمها الشيخ مبارك الصباح الذي وجد في هذا الهاشمي القادم من تركيا شخصية ذات فكر نير، فاقترح عليه أن ينهي مهمته في الهند ويعود إلى الكويت للاستقرار والعمل في سلك التعليم. وبالفعل ذهب الرجل إلى الهند وعاد إلى تركيا، ومن هناك اصطحب في العام 1910 أسرته المكونة من ولده محمد وابنته عائشة وزوجته الثانية إلى الكويت ليؤسس بها المدرسة المباركية، أولى مدارس الكويت النظامية.

وهكذا قام السيد عمر بالتعاون مع الشيخ يوسف بن عيسى القناعي ومجموعة من الميسورين الكويتيين، وبتوجيهات من الشيخ مبارك الصباح بتأسيس المدرسة المباركية وتأثيثها وفتحها أمام الراغبين في العلم. يقول المؤرخ الكويتي فرحان عبدالله الفرحان في مقال له بجريدة القبس ( 9/‏ 10/‏ 2009)، إن مدرسي المدرسة كانوا في تلك الحقبة فقراء وتلامذتها أكثر فقراً، لذا بادر السيد عمر إلى تشجيعهم على العمل لتحسين أحوالهم، فكان يطلب من كل مدرس قبل الحضور إلى المدرسة أن يذهب إلى البحر ويصطاد سمكاً لوجبته اليومية، كما علمهم تربية الأغنام والأبقار ورعايتها، واقترح على أحد أصدقائه المدرسين التوجه إلى الهند لتعلم تصليح الساعات والعودة مع أدواته لممارسة المهنة في الكويت، وأوعز لمدرس آخر بتعلم دباغة الجلود واستعمال قشور الرمان في ذلك من أجل صنع الأحذية، وطلب من مدرسين آخرين أن يخلطوا الصوف مع القطن لغزل نسيج يمكن استخدامه في خياطة الملابس بواسطة مكائن الخياطة التي دخلت الكويت من الهند مطلع القرن العشرين، وحينما انتشرت هذه المكائن وكان بعضها يتوقف لخلل ما، كان السيد عمر يقوم بنفسه بإصلاحها في منزله بعد الدوام المدرسي.

حينما افتتحت المباركية رسمياً في 22 ديسمبر 1911، اجتمع أعضاء مجلس إدارتها وانتخبوا السيد عمر كأول مدير إداري لها، فزاول الرجل مهامه إلى جانب تدريس القرآن والتجويد واللغة العربية والفقه والخط العربي والحساب والقراءة، والمساهمة في وضع المنهاج الدراسي، وتلاوة القرآن بصوته خلال طابور الصباح. وفي عام 1915 تولى إلى جانب التدريس الإشراف المالي والإداري العام للمدرسة، وفي العام التالي سافر إلى مكة زمن الثورة العربية الكبرى لمقابلة ابن عمه شريف مكة الحسين بن علي، وظل هناك حتى عام 1919. وما بين عامي 1919 و1926 عاد ليدير المباركية خلفاً للشيخ عبدالعزيز الرشيد، فنجح في احتواء تذمر واستقالات بعض المدرسين احتجاجاً على الإدارة المدرسية. وتولى الرجل إدارة المباركية لفترة ثالثة بين عامي 1927 و1938.

ومما يذكر له إبان إدارته للمباركية أنه ألف رسالة لتسهيل تجويد القرآن الكريم على طريقة السؤال والجواب وتجزئة الحروف إلى ثلاثة أجزاء، وكان أول من وضع تقويماً للسنة الهجرية وما يقابلها بالميلادي في الكويت وأول من وضع جدولاً لمواقيت الصلاة في عام 1934، وافتتح فصلاً خاصاً لتعليم الخط العربي، وخصوصاً خط الرقعة الذي كان بارعاً فيه، وكان أول من أدخله إلى الكويت، وخط بنفسه بخط الثلث الجميل أول لوحة علقت على مدخل المباركية تحمل اسمها، كما خط بنفسه منشور الدعوة لحضور مسرحية «إسلام عمر» سنة 1938 وطبعها على أوراق مستخدماً مطبعة حجرية كان يملكها في بيته.

تساءل الإعلامي والأديب الكويتي عبدالله خلف في مقال له بصحيفة «الجريدة» (29/‏ 5/‏ 2016) عن سر قبول السيد عمر بفكرة ترك تركيا الجميلة في طبيعتها والمتقدمة في عمرانها وحياتها للقدوم إلى الكويت في زمن كانت الأخيرة صحراء قاسية قليلة العمران والتمدن، فأخبرنا أن الشيخ مبارك الصباح طرح عليه هذا السؤال فكان جوابه أن تركيا بالفعل جنة خضراء بها كل ما تشتهي النفس، لكن الكويت بها ما هو أفضل وهو «الأمن والأمان». وهذه الإجابة، التي أبهجت الشيخ مبارك، ربما كانت إشارة إلى ما كان يعانيه المواطن العربي في ظل السلطة العثمانية من جور لجهة التوظيف والتتريك القسري والتجنيد الإجباري لخدمة الأهداف الحربية لتركيا في أوروبا وأفريقيا وغيرهما.

ومن أبناء السيد عمر أيضاً: السيد أحمد عمر عاصم، الذي ولد في الكويت عام 1919 لأم جاءت بصحبة والده من تركيا، وعمل معلماً بالمدرسة المباركية قبل أن يفتتح في عام 1947 مدرسة لتعليم اللغة الإنجليزية ويديرها لمدة سنتين. وتقلد إبان حياته في الكويت، التي انتهت بوفاته في 27 سبتمبر 1998، عدة مناصب منها منصب رئيس مجلس إدارة شركة البترول ومنصب الوكيل المساعد لشؤون النفط بوزارة المالية، كما كان شاعراً وأديباً ومفكراً.

عاش السيد عمر سنوات طويلة من عمره في الكويت معززاً مكرماً إلى أن توفي على أرضها في 9 يوليو 1950، حيث صلي عليه ودفن بمقبرة نايف (مقابر القبلة). وخلال سنواته في الكويت نال جنسيتها، وتآلف مع مختلف طوائف شعبها، واكتسب عاداتها، بل وتزوج منها سيدتين هما: «عائشة محمد الشريف» و«أمينة عبدالله الأيوبي» اللتان أنجبتا له البنين والبنات.

ابنه البكر هو السيد محمد عمر عاصم، الذي ولد في أزمير سنة 1892 وفقد والدته التركية هناك، وجاء مع والده إلى الكويت سنة 1910، وكان من ضمن أوائل معلمي المدرسة المباركية الذين درّسوا مادتَي الحساب والكتابة من عام 1912إلى عام 1915، ثم توجه إلى بومباي وأقام بها نصف عام لتعلم مهنة تصليح الساعات، وبعدها اتجه للعمل المهني وأصبح من أوائل المهندسين والميكانيكيين في الكويت، لكنه انشغل في الوقت نفسه بالعمل الثقافي من خلال نشاطه كعضو مؤسس للنادي الأدبي. وهو أول معلم وفاحص ومرخص لقيادة السيارات. وقد توفي بالكويت في 11 فبراير 1970. ومما يذكر عنه أنه تعاقد مع شيوخ البحرين وبعض شخصياتها مثل الحاج مبارك بن شاهين العماري والحاج جبر بن محمد العماري على حفر بعض الآبار الارتوازية في البحرين، ولهذا الغرض عاش لمدة عام في البحرين حفر خلاله 12 عيناً من عيون المياه العذبة من بينها عين عذاري وعين العمامرة بالمحرق، ثم عاد إلى الكويت لزيارة أهله، فمنعه الشيخ أحمد الجابر المبارك الصباح من الرجوع إلى البحرين قائلا له: «اجلس في وطنك وانفع بلادك»، فاستجاب لطلب الحاكم. وقد اقترن السيد محمد في الكويت بالسيدة وضحى إبراهيم عبدالله المزين وأنجب منها 6 من الذكور (عبدالله وعبدالرحمن وخليل وعثمان وفؤاد وأحمد) و4 من الإناث (خديجة ونورة ورابعة وفاطمة). إلى ذلك أخبرنا باسم اللوغاني بالمزيد عنه في مادة نشرها بصحيفة «الجريدة» الكويتية (6 /‏1 /‏2012)، حيث قال إنه سافر إلى البصرة في عام 1916 للعمل لدى عائلة «الوكيل»، ورجع منها في العام التالي بالباخرة مصطحباً معه سيارة من نوع «أوفرلاند»، فكان من أوائل من اقتنوا سيارة خاصة في الكويت من عامة الشعب، ومن أوائل من استخدمها في نقل الركاب. كما أخبرنا الكاتب أن السيد محمد شارك في معركتي «حمض» و«الجهراء» سنة 1920، ومعركة الرقعي سنة 1928، وأنه نجح في إصلاح أحد المدافع الكويتية حينما توقفت عن العمل، وأنه عمل مسؤولاً عن كراج السيارات في الشركة العراقية الكويتية لتسيير السيارات عند افتتاحها عام 1925 بطلب من السيد حامد النقيب، وظل كذلك حتى عام 1927 حينما انتقل للعمل لدى الشيخ أحمد الجابر الصباح مهندساً مسؤولاً عن كراجات قصرَي السيف ودسمان.​

وللسيد عمر عاصم ابنتان من زوجته الكويتية الأولى «عائشة الشريف» هما: السيدتان أمينة وزهراء المولودتان بالكويت في عام 1910 وعام 1914، والمتوفيَتان فيها في عام 1990 وعام 1995 على التوالي. وقد عملتا مع والدتهما في التدريس في كتّاب ببيت والدهما بزاوية سكة المدرسة المباركية. وله ابنة من زوجته الكويتية الأخرى «أمينة الأيوبي» هي السيدة عاتكة.

وأخيراً، فإن الكويت كرّمت السيد عمر بإطلاق اسمه على رياض للأطفال بمنطقة الخالدية من العاصمة. كما تم تكريمه في عام 2005 من قبل جمعية المعلمين الكويتية، وأصدر الدكتور راشد عبدالله الفرحان نائب مجلس الأمة ووزير الأوقاف والعدل الأسبق كتاباً عن حياته بعنوان«السيد عمر السيد عاصم شيخ قراء الكويت وعلاقته بالمدرسة المباركية والدولة العثمانية».