-A +A
قراءة: ياسر عبدالفتاح
«الرهيفة تنقد».. أمضى سلاح اتخذه المتحاربون في معركة اتحاد الكرة السوداني، والتعبير؛ يعني «فلتحرق روما». لم ينتظر (فيفا) اشتعال روما فسارع في عشية مواجهات سودانية أفريقية إلى اعتبار المريخ مهزوما من النجم التونسي، والهلال خاسرا أمام فيافيرو الموزمبيقي وكذا الحال لهلال شيكان الفريق الصاعد والمتوثب لحصد بطولة أفريقية للسودان. إذن قال (فيفا) كلمته وجمد النشاط الكروي بسبب التدخلات الحكومية.

لم يعد بإمكان السودان إلا أن يختار مكانا قصيا في المحيط الرياضي الدولي معزولا بفضل مماحكات قيادات الكرة الذين لم يصرفوا أنظارهم عن أصابع أقدامهم فاختاروا التضحية ببلادهم تأسيسا لأمجاد ومكاسب شخصية.


(فيفا) اختار أن يعالج أزمة الكرة السودانية بالدواء المر.. وسقى المتصارعين؛ مجموعة الدكتور معتصم جعفر وغريمه الفريق عبدالرحمن سر الختم (وزير الدفاع السوداني السابق) من كأس حنظله. أما نزاع (المال والجاه) فقد بدأ قبل أعوام حين نجح الأول في إقصاء أستاذه البروفيسور كمال شداد (أستاذ الفلسفة بجامعة الخرطوم) عن موقعه كرئيس لاتحاد الكرة؛ مرتكزا على تعليمات (فيفا). وبرحيل شداد؛ دخلت الكرة السودانية في متاهات انتهت إلى ثلاجة الموتى وكعادة السودانيين في لطفهم؛ أطلق بعضهم على الهيئة الدولية الكروية لقب (فيفادول).. في تلميح ظريف أن ما لا يعالجه الكي قد يطيب فيفادول صداعه!

المنظومة التي قادها معتصم جعفر في السنوات الفائتة سجلت خيبات عظيمة ولم يكن انسحاب المريخ من إحدى بطولاتها بدعاوى الفساد أولى الخيبات، إذ اختار نده الهلال ذات السلاح في آخر بطولة نظمتها مجموعة معتصم جعفر.. وتصدى الهلالاب لمنظومة فساد اللقيمات وهو التعبير اللطيف الذي استخدمه رئيسهم «الكاردنال» في وصف ما اعتبره تجمعات الشلة المفسدة طبقا لتعبيره، واللقيمات هي عجينة الزلابية الشهية التي يشغف بها السودانيون في جلسات «الشاي المقنن».

طالت اتحاد معتصم جملة من اتهامات الفساد. وظلت الدولة تراقب الأوضاع الكروية المتردية عن بعد خشية اتهامها بالتدخل في ما لا يعنيها.. أو احتسابا لحساسية (فيفا) وفي ما يبدو أن صبر الدولة قد نفد فأوعزت لوزير دفاعها السابق الفريق عبدالرحمن سرالختم بالترشح في مواجهة الدكتور معتصم جعفر وهي الثغرة التي نفذت منها (فيفا) لتعطيل نشاط الكرة.

حصل الجنرال على مؤازرة علنية ومستترة من الدولة ودفعته نشوة الاستنصار إلى الخروج على شاشة التلفزيون ليعلن أن الجهاز الحكومي يدعم ترشحه، ولم يقف غريمه مكتوف اليد فسارع إلى تمليك (فيفا) المعلومة الخطيرة فانفتحت عيون فيفادول ووجهت بصرها إلى الخرطوم. وعزز القيادي في مجموعة معتصم جعفر؛ الكابتن «مازدا» الشكوى الأولى بأخرى، إذ اتهم جهات حساسة بمؤازرة مجموعة الجنرال وأخذ (فيفا) علما بالفاجعة الثانية.. وقبيل الانتخابات بساعات، ظهرت بوادر هزيمة معتصم؛ واستبقت مجموعته هزيمتها المرتقبة بمخاطبة (فيفا) بإرجاء المعركة وجاءت الموافقة الفورية.

رفضت مجموعة الجنرال تسويف عملية الاقتراع ومضت بجيشها العرمرم إلى المقر الرسمي لاتحاد الكرة لعقد جمعيتها واختيار ضباطها.. غير أن عناصر مقاتلة من التنظيم المناوئ أغلقت عليهم أبواب المقر ونشرت صحف اليوم التالي مشاهد العصي المانعة.. وأمام عناد جعفر ارتحل الجيش الثاني إلى مقر آخر واختارت رئيسها ونوابها كاتحاد جديد لكرة القدم.. فأصبح السودان الدولة الوحيدة في العالم الذي يدير كرته اتحادان.

وعلى الطرف الآخر تحرك جيش الجنرال وزير واستصدر قرارا من وزارة العدل يلزم بموجبه غريمه المعترف به دوليا إخلاء المقر بالقوة الجبرية غير أن المستعصمين بالمقر أعلنوها بلا وجل: الإخلاء يعني الموت والشهادة..

يبدو أن الصيدلاني الصامت لعبها هذه المرة في سقف المرمى عندما خاطب (فيفا) عن تدخل الدولة وتعيينها لجنرال يدير شؤون الكرة.. وهي الخطيئة الكبرى التي أطاحت بالسودان. ويستعيد الرياضيون واقعة الرئيس الراحل نميري الذي غضب من ثقالات جماهير المسطبة الشعبية فأعلن في حالة غضب عارمة إلغاء كل الأندية والاستعاضة عنها برياضة جماهيرية أفقدت السودان أفضل وأمهر نجومه.

يتكرر اليوم ذات الملهاة بإخراج ورعاية أممية وبات على اللاعبين السودانيين أن يمارسوا لعبتهم في «الدافوري».. أي منافسات الحارات!.