لا تحفظ الرياضة عبر تاريخها إلا عدداً نادراً من الاستقبالات الشعبية التاريخية الموسومة على جدار ذاكرتها. فمهما سطع نجم الرياضي، وذاع صيته وتعاظمت مكانته، فإن الجماهير لن تلاحقه راجلة ركضاً عبر الخطوط السريعة، فوق الجسور والكباري، ولن تحطم من أجله خطوط الأمن وتربك كل ترتيباته، ولن تتسلق رؤوس التلال والجبال بغية رؤيته على الطبيعة والتأكد من سلامة حقيقة أن هذا «الأسطورة» يمْثُل أمامها؛ إلا إذا كان هذا النجم الأسطوري كريستيانو رونالدو قائد نادي النصر، الذي استقبله الإيرانيون اليوم بقلوب وعقول وأبصار مندهشة شديدة الذهول، مثل استقبال شعب زائير لأعظم الرياضيين محمد علي كلاي في كينشاسا عام 1974 قبل نزال «القتال في الغاب» ضد جورج فورمان، وهو الحدث التاريخي الذي استعد له الرئيس موبوتو حينئذ باعتقال 1000 مجرم وإعدام 100 منهم لتكون المدينة خالية من الجرائم تقريباً قبل قدوم كلاي الذي حول كينشاسا من حفرة يأس إلى مدينة نابضة بالحياة، مدة من الدهر.
إن التظاهرة الجماهيرية التاريخية لاستقبال كريستيانو رونالدو في إيران قبل مواجهة «فارس نجد» وبيرسبوليس، حققت مفهوم الرياضة والسلام بمعانيه الجادة العميقة، وبرهنت على القوة الناعمة للرياضة ودبلوماسيتها التي تُريّض السياسة ولا تُسيّس الرياضة، وجاست بالحب وطافت به في أحلك الأيام لإعادة جسور العلاقة بين الأمم. ويمكن القول قطعاً إن هذا الاستقبال الذي ستخلده ذاكرة الرياضة العالمية وذاكرة طهران طويلاً، هو أيضاً مشهد يختصر القوة والدبلوماسية الرياضية الناعمة الخاصة بالمملكة العربية السعودية في عصر رؤيتها العظيمة الملهمة، وإلى أي مدى وأفق ارتقت بالرياضة قاطبة وكرة القدم على وجه الخصوص حدَّ أن تتنافس القنوات والشبكات التلفزيونية الإيرانية لكسب حقوق بث دوري روشن للمحترفين، وحدَّ أن يصعد شبّان طهران الجبال من أجل الحب لا الحرب، متعممين بشعارات النصر السعودي زرافات ووحداناً. وبرهنت أيضاً أن «الدون» بلا أدنى شك هو الشخصية الرياضية الأكثر شهرة وشعبية ومحبة فوق هذا الكوكب اليوم، والأجمل أن الوثائق المرئية هي من قالت ذلك.
«بعضهم لا يسير على قدميه أكثر من 200 متر في اليوم الواحد.. الآن يقطعون ضواحي المدينة وأحياءها ويصعدون الجبال تسلقاً مبتسمين.. من أجل النصر ورونالدو.. مدهش»، قال هذا مغرد إيراني متعجباً ومندهشاً أيضاً من الاستقبال التاريخي لكريستيانو رونالدو ونجوم النصر في طهران.
إن قوة رونالدو المتسامية بشخصية كاريزمية فريدة هي من جعلته سيد قصته، والرياضي الذي يفضله العالم على الساسة والمطربين والمثقفين وصانعي الأفلام وغيرهم من الفنانين. وليس أدق من مقولة بول جالندر ذات يوم عن محمد علي كلاي «العالم كله يرتبط بهذا الرجل» لوصف مدى شعبية كريستيانو الذي حطم الأرقام في الملعب وخارجه وأسعد أعين الجماهير في كل الأمكنة والأزمنة.
يلعب كريستيانو ورفاقه حاملين شعار النصر السعودي الكبير، في عمق «سرب النحل» ملعب مجمع آزادي التاريخي العريق، في مباراة قرر اتحاد الكرة الآسيوي حرمان المشجعين الإيرانيين من حضورها لقرار انضباطي سابق، لكنه لن يحرمهم مؤكداً من تسلق جدرانه لاستراق نظرة واحدة خاطفة إلى «الدون».. والبقية للتاريخ.