-A +A
فواز الشريف (جدة) FawazALshreef@
نحن نكتب على طريقتين، من اليمين إلى اليسار هكذا، وفي الوقت ذاته نستطيع صياغتها من اليسار إلى اليمين، لعبنا كرة القدم قبل أن تتشكَّل بعض المنتخبات في أوروبا وبالذات في (البلقان) ومجمل أوروبا الشرقية؛ التي تعد من مواليد ما بعد التسعينيات الميلادية ويصبح لها وجود وكيان.

هنا ضحكنا ضحك طفلين معاً وعدونا فسبقنا ظلنا، مع بداية مشروع (الدوري السعودي) الخاص بكرة القدم، وتخصيص الأندية، وانطلاق برنامج الاستقطاب، اهتزت الكثير من العروش الأوروبية هناك. وفي الوقت الذي كان بمقدورهم تشكيل فريق عمل مشترك ودعم هذا المشروع والترحيب به؛ كونه يهدف في النهاية لصالح اقتصاديات اللعبة واللاعبين وتطويرهما من كافة الجوانب الفنية، دخلت المخاوف قلوبهم حتى بدأ رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ألكسندر تشيفرين يقلل مما تقوم به السعودية مشبهاً ذلك بالتجربة الصينية، ووصف النجوم المنتقلين إلى دورينا بأنهم أقل عطاء، كما حرك أذرعه من إعلاميين ولاعبين لشنِّ هجوم في المقابل.


القيمة المضافة

في «عكاظ» «أن تكون أولاً» هذه مهمة، لكننا استغربنا هذا الهجوم المتغطرس وغير المبني على دراسة حقيقية، وقد كنا قبلها نراهن على الذين يعرفون القيمة المضافة لكرة القدم في العالم بانضمام السعودية بمشروع كهذا في صالح كرة القدم؛ كون السعودية الفائزة بحق تنظيم كأس الأمم الآسيوية 2027، وبحق تنظيم مونديال 2034، والشريك الأكبر للاتحاد الدولي (فيفا)؛ بعد توقيع شركة أرامكو عقد شراكة مع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بموجبه أصبحت أرامكو شريكاً عالمياً رئيسياً وحصرياً في مجال الطاقة، ويشمل حقوق رعاية عدة أحداث رياضية بما في ذلك مونديال 2026، وكأس العالم للسيدات 2027، وإطلاق العديد من المبادرات التي تترك أثراً إيجابياً على المجتمعات.

طريقة المافيا

ألكسندر تشيفرين الذي طعن ميشال بلاتيني في ظهره حين قال عنه بلاتيني: «يُعطي دعماً مطلقاً لرئيس نادٍ واحد»، مشيراً إلى أن سياسة يويفا الحالية لا تتناسب مع مبادئ كرة القدم، مضيفاً: «لقد كنت في كرة القدم حينها، وكانوا في السياسة، لا يوجد إصلاح في برامجهم، باستثناء لعب المزيد من المباريات وجمع الأموال، إنهم لا يحترمون المسابقات التي ميزت تاريخ كرة القدم».

وكادت سكينه تطال جياني إنفانتينو أمام مقترح إقامة بطولة كأس العالم كل عامين، وزيادة الأندية المشاركة في المونديال، وموضوع تعيين الأمينة العامة فاطمة سامورا مندوبة عن الفيفا في أفريقيا، وهو ذاته تشيفرين الذي قالت عنه صحافة بلاده «إنه رجل مزور في الانتخابات الأولى التي قادته إلى الاتحاد الأوروبي»، وهو الذي أقرَّ قانون الولايات الثلاث لرئيس الاتحاد، والآن يسعى لتعديله للاستمرار أكثر؛ بحجة أن فترته الأولى كانت استكمالاً لفترة بلاتيني رغم أنها قامت على حق الاقتراع، وهو الذي واجهته أندية ريال مدريد وبرشلونة ويوفنتوس لخلق السوبر الأوروبي للخروج من سطوته حين قال عنه «ذئب متنكر في زي جدة مستعدة لأكلك»، وهو الذي تخلى عن صديقه المقرَّب رئيس الاتحاد الإسباني ويس روبياليس في أحرج وقت وظرف في قضية (القبلة الشهيرة)، وفي المقابل قدم دعمه الكامل لرئيس اتحاد كرة القدم الإيطالية غابرييل غرافينا ونائبه في الاتحاد الأوروبي؛ الذي يحقق معه المدعون العامون في روما بتهمة الاختلاس وغسل الأموال وشراء منزل في ميلانو بأموال البث التلفزيوني، حيث صرح تشيفرين لصحيفة (جازيتا ديلو سبورت الإيطالية)، قائلاً: «لديه دعمي الكامل لأن الضرر قد حدث بالفعل، لكننا للأسف نعيش في أوقات رهيبة حقاً» هكذا كان تبريره.

أصابع الزمار

لا أخفيكم حقيقة مقولة: «يموت الزمار وأصابعه بتلعب» هكذا الصحفي الحقيقي أو ما يسمى بالإعلامي كمصطلح مولود مع بداية التسعينيات الميلادية حينما عجزت الجهات التنظيمية عن تصنيف العاملين والفنيين وبعض المختصين كصحفيين، فبرز مصطلح (الإعلامي) وبدأ يُستخدم بشكل أوسع مع تطور وسائل الإعلام وظهور أفراد من (مصور فيديو) و(فوتوغرافي) و(مساعد لإرسال المواد) و(منفذ) و(مصمم)، كما رسخ ذلك ظهور وسائل إعلام جديدة كالمواقع الإلكترونية حينها، حيث أصبحت الحدود بين الصحافة التقليدية وأشكال الإعلام الأخرى أقل وضوحاً، هذا التحول في الإعلام أدى إلى استخدام مصطلح (الإعلامي) ليشمل مجموعة أوسع من المهنيين الذين يعملون في مجالات متعددة من الإعلام، وليس فقط الصحافة التقليدية، وليس باستطاعتي إسقاط مقولة (الزمار) على الجميع لكني أكاد أجزم بأن المجانين يدركون حدود هذه المقولة.

تحت المجهر

وتحدث لـ«عكاظ» الإعلامي العربي يوسف تمسماني من برشلونة، قائلاً: ألكسندر تشيفرين هو من ذلك النوع من المسؤولين الذين ينزعون من كرة القدم رومانسيتها ويلبسونها ثوب الخبث والمكر والخداع.. نوع يجعل عاشق الساحرة المستديرة الولهان يكرهها بسبب سلسلة من الفضائح والأنباء تفقدها جمالها ونقاءها كرياضة نبيلة معشوقة الجماهير. هذا السلوفيني الذي استحوذ على مقاليد حكم وتسيير الاتحاد الأوروبي لكرة القدم منذ 11 سنة، حطّم كل الأرقام القياسية؛ هو اليد اليمنى لبلاتيني، كان اسمه دائماً مقترناً بالفضائح، اتُهم بتزوير سيرته الذاتية للوصول لرئاسة الاتحاد، تم اتهامه أيضاً بالفساد في قضية عمولات مشروع إنشاء خط للسكة الحديد، اتُهم من طرف أحد معاونيه بمحاولة التلاعب بقانون الاتحاد الداخلي للبقاء على كرسيه لوقت أطول، تم اتهامه من مجموعة من الاتحادات المحلية بالتحيز لروسيا، اتُهم بالطمع بعد أن زاد في راتبه كل سنة حتى في سنوات كورونا حتى وصل لمليونين ونصف المليون يورو، وأخيراً تم الكشف عن رسائل هاتفية يشتم فيها رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز ويصفه فيها بـ«العنصري».

والآن أصبح معروفاً في الأوساط الرياضية الأوروبية بعلاقته بمجموعة من الوسطاء ووكلاء اللاعبين الوطيدة، وهو ما يجعل قراراته وتصرفاته وحتى تصريحاته كلها تحت المجهر؛ لأنها لا تخدم الاتحاد بل مصالح أصدقائه التجارية.

شاهدهم الفعلي

كتب جوناثان ليو في صحيفة (الغارديان ضمن) تغطيته لكأس الأمم الأوروبية المقامة حالياً في ألمانيا حول (نجوم الدوري السعودي في يورو 2024)، قائلاً: «على الرغم من أنه من المفترض أن يقوم بالقضاء على العشرات من المسيرات المهنية للاعبين في الصيف الماضي، فإن الدوري السعودي ممثل بشكل جيد إلى حدٍّ معقول في بطولة أوروبا، حيث ضمت البطولة 14 لاعباً منه؛ أي أكثر من معظم البلدان التي تأهلت بالفعل.

الدوري السعودي للمحترفين هو في الواقع سادس أكبر مورد في يورو 2024 يسبق الدوري الهولندي، والدوري التركي الممتاز، والدوري البرتغالي الممتاز.

الهلال والنصر لديهما عدد من اللاعبين يمثلونهما في ألمانيا أكثر من مارسيليا أو فالنسيا أو سبورتنغ أو رينجرز».

لقد كان رائعاً

وأضاف جوناثان: «كان كانتي هو أفضل لاعب في مباراتين.. وصلت سرعته القصوى إلى 21.4 ميل في الساعة وقطع مسافة 11.8 كيلومتر؛ أي أكثر من أي لاعب فرنسي، وقال ديشامب مدرب فرنسا بعد ذلك «لهذا السبب أحضرناه.. لقد كان رائعاً»، لكن حتى مسافة كانتي كانت أقل من مسافة 13.9 كيلومتر التي قطعها سافيتش (نجم نادي الهلال) لصربيا ضد إنجلترا، ثم كان هناك نيكولاي ستانسيو لاعب خط الوسط الروماني (نجم نادي ضمك) الذي افتتح التسجيل في مرمى أوكرانيا واختير أيضاً أفضل لاعب في المباراة. ثم كان هناك كريستيانو رونالدو؛ الذي استمر لمدة 90 دقيقة مع البرتغال ضد جمهورية التشيك، وبدا حاداً بما يكفي بالنسبة للاعب يبلغ من العمر 39 عاماً».

قراءة منطقية

«إذن ما الذي يحدث هنا بالضبط؟ الأمر أكثر تعقيداً مما يبدو».. هكذا تعجّب قائلاً: «فلو استثنينا رونالدو الذي حقق 50 هدفاً في جميع المسابقات الموسم الماضي من اللاعبين في السعودية، ستجد أن أغلبهم تراوح أعمارهم ما بين 29 و33 عاماً.. ما زالوا صغاراً بما يكفي للتجول في الملعب، وكباراً بما يكفي للقيام بالكثير من العمل». لقد ظهر كل من ألكسندر ميتروفيتش (الهلال) وإيميريك لابورت (النصر) في الدوري الإنجليزي الممتاز 2023/‏ 2024 وبدأ يانيك كاراسكو (الشباب) موسمه في الدوري الإسباني مع أتلتيكو مدريد، وقال ديشامب عن كانتي قبل انطلاق البطولة: «لقد استعاد قدراته البدنية. يمكننا أن نناقش شدة المنافسة في السعودية، لكنه لعب أكثر من 4000 دقيقة».

صفعة ثانية

وأضاف جوناثان في كتابته «كان من المحتمل أن يظل جوردان هندرسون ضمن تشكيلة منتخب إنجلترا لو لم يقرر الانضمام إلى الاتفاق الصيف الماضي»، موضحاً أن «الأنباء تشير إلى أن الأندية السعودية ستحاول خلال الفترات القليلة القادمة جلب لاعبين أصغر سناً إلى الدوري، وسط شائعات -وبالطبع هذه مجرد شائعات- عن عروض لضم فيديريكو كييزا، وسيريو جيراسي، ولوكاس باكيتا، ومحمد قدوس، لقد كانت أخطر هجرة نحو السعودية هي انتقال فيغا؛ أحد ألمع المواهب الشابة في إسبانيا، الذي قرر الانتقال من سيلتا فيغو إلى الأهلي الصيف الماضي في سن 21 عاماً».

وهنا يمكنني التعليق بأن الموسم القادم من الدوري السعودي 2024/‏ 2025 الذي رسخ قدميه في (الترند العالمي) سيكون أكثر وطأة بعد إقرار إضافة لاعبين من مواليد 2003، وهذا ما سيجعل الهجرة مفتوحة، والعمل على منتج سعودي خالص وفخم في طور البناء، قد نكون بحاجة أصدقاء لكن وفق مفهوم الصداقة والعمل والاحترام، لأن نهج الرياضة السعودية والأفكار السعودية إجمالاً تقوم على ذلك.

من هو؟

كتب ستاش زغونيك عبر صحيفة (ملادينا) سيرة ذاتية عميقة تروي حكاية ألكسندر تشيفرين بعنوان المحامي الذي أصبح أكبر نجم كرة قدم سلوفيني دون أن يلعب كرة قدم، يقضي الكثير من الوقت مع أقرب جيرانه وزميله في الدراسة الذي سيصبح في ما بعد المدير العام للسكك الحديدية السلوفينية، من هنا يربط الكاتب سرَّ الكثير من العلاقات المشار إليها منذ بداياته حتى مرحلة تربُّعه على اتحاد أوروبا لكرة القدم حين كتبت الصحافة الإنجليزية «بلقنة الاتحاد الأوروبي» في إشارة لعدد الموظفين في اتحاد اللعبة من دول البلقان، فرد عليهم بأن والده علمه على تقسيم الأدوار، وألا أحد يمكن أن يعمل دونه، لقد اكتشف صحفيون يمثلون مجلة كرة القدم (جوسيمار) النرويجية تناقضات في سيرة ألكسندر تشيفرين الذاتية لم يتم توضيحها وفقاً للقوانين السلوفينية، فهناك الكثير من الشكوك حول ما إذا كان نشطاً في مجلس إدارة نادي كرة القدم لفترة كافية قبل توليه رئاسة الجمعية كما تم التشكيك في علاقته بنادي كرة الصالات (سفيا ليسنا ليتيغ).

الضجيج الأخير

وأخيراً هزت استقالة أقرب المقربين له الكرواتي زفونيمير بوبان احتجاجاً على تعديل النظام الأساسي للسماح له بولاية أخرى تتجاوز به حاجز 2030، كما أن هناك العديد الذين يعتقدون بنوايا تشفيرين؛ ومنهم اللاعب الإنجليزي وأحد أذرعه في إنجلترا جاري لينيكر، كما أن كيتيل سيم، اللاعب الخفي طيلة سنوات تشيفرين، يبدو أنه ابتعد عن المشهد، ووقف الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم في وجه التصويت الذي تم تمريره ليكون بمقدوره الترشح لولاية تعتبر رابعة من وجهة نظر البعض. وقال معارضو الاقتراح، بمن فيهم مارك بولينغهام الرئيس التنفيذي للاتحاد الإنجليزي لكرة القدم: «إن التغيير يتعارض مع التعهد الذي قطعه تشيفرين برئاسة حوكمة أنظف للاتحاد الأوروبي لكرة القدم عندما تولى المسؤولية من بلاتيني».

وعلّق تشيفرين، كما هي طبيعته، قائلاً: «لقد التزمت الصمت حتى ينكشف وجه البعض.. أردت أن أرى الوجه الحقيقي لبعض الناس ورأيت ذلك»؛ بمعنى آخر من معه ومن ضده، ومن يمكن الوثوق به ومن لا يستطيع. كما رد تشيفرين على استقالة صديقه المقرب قائلاً: «إن بوبان كان يدرك أنه لن تتم إعادة انتخابه.. إن موقفه صرخة مثيرة للشفقة».

مرة أخرى

مرة أخرى أعود للكتابة عن الاتحاد السعودي لكرة القدم ورابطة دوري المحترفين ولجنة الاستقطاب حول أهمية توسيع دائرة العمل والمجالس واللجان العاملة والاستشارية على الأقل في العامين القادمين؛ لترسيخ مهمة الدوري السعودي.. فكما استطاع رجل البلقان (كما يسميه البعض) سحب البساط بهكذا شكل وأصبح الحاكم بأمره أمام اتحادات عريقة لم تعد مؤثرة ضمن قائمة التصويت باعتبار الأغلبية ليست بيدهم، فإنه ليس صعباً أن نصبح الوجهة الأولى وفق خطوات واثقة وعمل مدروس بعناية يخلق منتجاً فارقاً عن البقية، وهكذا يستطيع دورينا صفعه وغيره أكثر من مرة.