تحت قيادة المدرب الوطني سيف مصلح آل نمرة، لم تكن رحلة فريق «أبطال السعودية» مجرد تجربة رياضية عابرة، بل كانت ملحمة كروية تقاطعت فيها التحديات مع الطموحات. بدأت القصة من قلب أحياء وحواري المنطقة الشرقية، حيث استطاع آل نمرة، المدرب الطموح والحاصل على الرخصة الآسيوية C، أن يؤسس فريق «باوك» الذي يضم 73 لاعبا شابا. وبفضل تدريبات يومية مكثفة، أثبت الفريق نفسه على الساحة المحلية بين أندية الهواة، وشارك في بطولات متعددة على مستوى الشرقية، ليصبح خصما لا يستهان به في البطولات المحلية للهواة.
ورغم الصعوبات التي واجهها آل نمرة في إدارة فريقه، إلا أن الحلم كان يتجاوز حدود القارة، خصوصا بعد تجربته التدريبية في البرتغال مع نادي أتلتيكو مورا. هذه التجربة ألهمته للسعي وراء مشاركة فريقه في البطولات الأوروبية. يقول آل نمرة: «خطرت الفكرة مع الأستاذ فايز بن ناصر اليامي، مؤسس أكاديمية أبطال السعودية، الذي دعم الفكرة بكل حماس وأعطاني الضوء الأخضر لإنشاء فريق أبطال السعودية». وبالفعل، بدأ آل نمرة في التحضير لخوض تجربة خارجية بالمشاركة في بطولة مورا البرتغالية بمشاركة أندية عالمية رسمية، على الرغم من التحديات الكبيرة التي صاحبت هذه الرحلة.
من هذه التحديات كان اختيار اللاعبين. وبشغف كبير، اختار سيف 19 لاعبا من مختلف مناطق المملكة، لكن بعضهم كان يشكك في جدية المشروع «بعضهم ظن أنني محتال أو نصاب، لكنني نجحت في إقناعهم وكسب ثقتهم»، يضيف آل نمرة: تحمّل التكاليف المادية للمعسكر والمشاركة في البطولة كان جزءًا من التحدي، حيث بلغت 5000 ريال لكل لاعب، بجانب تكاليف الطيران المكلفة التي تحملها الفريق. رغم الضغوطات المادية، اضطر سيف لتغيير مسماه الوظيفي من مشغل عمليات إلى إداري بدوام صباحي حتى يستطيع التفرغ لمهمته الجديدة، مما أدى إلى خفض راتبه، لكنها تضحية كانت مدفوعة بحب وشغف كرة القدم لبناء فريق يصنع مجدا تاريخيا على مستوى فرق الهواة.
بالتعاون مع فايز اليامي، تمكن سيف من تنظيم معسكر داخلي في الدمام لمدة أربعة أيام، حيث كانت الفرصة للتعرف على اللاعبين بشكل أفضل «كانت التحديات كبيرة، ولكن الروح الجماعية التي نشأت بين اللاعبين هي السر وراء نجاحنا».
بعد ذلك، توجه الفريق إلى البرتغال لخوض البطولة الأوروبية، لكنهم سرعان ما واجهوا صعوبات جديدة على أرض الملعب، من تحكيم متحيز إلى تقديم وتأخير مفاجئ للمباريات. ومع ذلك، استطاع الفريق الفوز بالمباراة الأولى بخمسة أهداف نظيفة، ثم واصل تألقه ليتصدر مجموعته ويفوز بالمباريات المتتالية، حتى وصل إلى النهائي.
التحدي الأكبر جاء قبل المباراة النهائية مباشرة، حيث تم إبلاغ الفريق بأن المباراة ستقام في اليوم التالي، ما شكل صدمة للاعبين «لم أستطع النوم تلك الليلة، كنت منشغلاً بتحليل نقاط القوة والضعف للفريق المنافس». يروي سيف عن تلك اللحظات الحاسمة: في النهاية، تمكن الفريق من تحقيق اللقب عبر ركلات الترجيح في مباراة نهائية شاقة، ليعودوا إلى الوطن حاملين اللقب.
يقول سيف: «الشعور كان لا يوصف، لم يكن هدفنا فقط الفوز، بل تسويق اللاعبين السعوديين على الساحة الأوروبية». وبفضل الأداء المميز للفريق، تلقى خمسة من لاعبي «أبطال السعودية» اتصالات من الأندية الأوروبية، مما يعزز من فرصهم للعب خارج المملكة.
وفي كل خطوة، كان لشقيق سيف، نايف آل نمرة، دور كبير في تحقيق هذا الحلم. يقول سيف: «لا أنسى وقفة شقيقي نايف الذي دعمنا بكل صغيرة وكبيرة ووقف معي في أحلك الظروف، إذ ساهم بشكل رئيسي في نجاح الفريق وتحقيق لقب بطولة مورا البرتغالية». لقد كان دعم نايف هو السند الذي ساعد سيف على المضي قدماً في هذه الرحلة الملحمية.
وفي ختام القصة، يتحدث فايز بن ناصر اليامي مؤسس أكاديمية أبطال السعودية عن بدايات الفكرة: «عندما كنت أدرس في كندا في عام 2006، رأيت كيف أن البرامج الرياضية تلعب دورًا كبيرًا في توجيه الشباب نحو سلوكيات إيجابية». يقول اليامي: وبعد محاولات عديدة، تمكن من تأسيس الأكاديمية، التي كانت لها دور كبير في دعم المواهب السعودية، «للأسف، لم نحصل على أي دعم رسمي، ولكن تحمّلنا التكاليف شخصيا. الهدف كان دائمًا أكبر من المشاركة في البطولات فقط، كان يتعلق بتسويق اللاعبين السعوديين وإبرازهم على الساحة الأوروبية، ونخطط للمشاركة مرتين في السنة القادمة، وسننظمها داخل المملكة وفي نيوم بالمستقبل».
الفوز بالبطولة لم يكن نهاية الحلم، بل بداية لمزيد من الطموحات. يرفع سيف وفايز ونايف راية الوطن في أوروبا، ويهدون رفقة اللاعبين الأبطال هذا الإنجاز لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، ووزير الرياضة الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل، ولكل الشعب السعودي، على أمل أن يحظى هذا الفريق الوليد بالتكريم والدعم الذي يستحقه بعد هذا الإنجاز التاريخي.