حينما تذكر عبارة عميد الأندية السعودية الرياضية فإن الإشارة هنا، بطبيعة الحال، هي إلى نادي الاتحاد بجدة. والسبب هو أن هذا النادي كان أول ناد وطني لكرة القدم يؤسس في الحجاز وذلك في عام 1927، وإنْ كان هناك من يدعي أن نادي الوحدة بمكة هو النادي الأول.
ففي ذلك العام اجتمع نفر من أبناء جدة للتشاور في أمر تأسيس فريق لكرة القدم يحتضن هواة اللعبة من المواطنين من أجل منافسة الفرق الأجنبية مثل فرق الجاليات الجاوية والسودانية والصومالية واليمنية، وفرق البوارج والبواخر الإنجليزية التي كانت تتردد من وقت إلى آخر على ميناء جدة، فكانت تنتهز فرصة رسوها يومين أو ثلاثة أيام لإجراء مباريات ودية مع الفرق المحلية. وقتها تقرر أن يطلق على الفريق الكروي الجديد اسم «الاتحاد»، وأنْ يباشر نشاطه بطريقة متفقة مع المعايير الرياضية المعروفة في العالم، كبديل عما كان سائدا في حينه مثل اللعب بالأقدام الحافية والسراويل الطويلة والثياب المشمرة على ملاعب ترابية. وسرعان ما توطدت دعائم «الاتحاد» وتحول إلى ناد رياضي عريق بفضل الدعم الذي حظي به من الأمير عبدالله الفيصل أكبر أنجال الأمير فيصل بن عبدالعزيز نائب الملك في الحجاز آنذاك، علما بأن الأمير عبدالله الفيصل كان يقود وقتها وزارة الداخلية المنوط بها في تلك الحقبة شؤون الرياضة والكشافة.
وجد الأمير عبدالله الفيصل في «الاتحاد» نواة طيبة لمستقبل رياضي مشرق في بلاده، فحرص على حضور مباراته الكبيرة الأولى مع فريق البارجة البريطانية «جون هور» التي أقيمت بجدة في عام 1949 التي فاز بها الاتحاد 2/1. وكان هذا دافعا للأمير الوزير أنْ يطلب من وزير المالية المرحوم عبدالله السليمان الذي رافقه في حضور المباراة زيادة بند مخصصات الرياضة في ميزانية وزارته. كان دافعا للأمير أنْ يتكفل بنقل فريق الاتحاد إلى القاهرة كي يتعرف عن كثب على الكرة المصرية الأكثر تطورا آنذاك ويحتك بفرقها المعروفة. وهكذا فإن الاتحاد كان قد أرسى أقدامه ككيان رياضي صلب قبل سنوات من الاعتراف الرسمي بالرياضة في المملكة العربية السعودية وما تلاه من تشكيل أجهزتها وهياكلها التنظيمية في عام 1952. إذ كانت الرياضة، وتحديدا كرة القدم، ينظر إليها حتى تاريخه كمفسدة، وكانت «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» تطارد مزاوليها وتعنفهم.
تقول الأدبيات السعودية الخاصة بتاريخ الرياضة في المملكة إن الفضل في تأسيس نادي الاتحاد يعود إلى مجموعة من شباب جدة الذين تنادوا لهذا الغرض وعقدوا اجتماعا خلف مبنى اللاسلكي في مدينة جدة. كان من بين هؤلاء الشباب المتحمس: حمزة فتيحي، عبدالصمد نجيب، إسماعيل زهران، علي اليماني، عبدالعزيز جميل، عبداللطيف جميل، عثمان باناجة، أحمد أبوطالب.
وفي الاجتماع التأسيسي اقترح عبدالعزيز جميل على الحضور أن يكون اسم النادي الجديد هو «الاتحاد» قائلا: «طالما أننا متحدون على الفكرة، فليكن اسم نادينا هو الاتحاد»، فتجاوب معه زملاؤه وفي مقدمتهم حمزة فتيحي، غير أن الدكتور أمين ساعاتي يخبرنا في الصفحة 550 من كتابه «تاريخ الحركة الرياضية في المملكة العربية السعودية» أن «اسم الاتحاد اختير بطريقة لا إرادية محاكاة لفريقي الاتحاد السكندري والاتحاد السوداني اللذين كانت أخبارهما تملأ آذان الرياضيين في الحجاز».
وفي الاجتماع نفسه اقترح اللاعب إسماعيل زهران، الذي كان وقتئذ موظفا في جهاز اللاسلكي والتلغراف، اسم رئيس جهاز اللاسلكي علي سلطان ليكون رئيسا للنادي، فقوبل اقتراحه بالموافقة الفورية. أما عن تدريب فريق كرة القدم بالنادي فقد عهد به إلى اللاعب محمد صالح محمد سلامة، خصوصا أن هذا الأخير كان عائدا للتو من الهند، حيث عمل هناك في مكاتب الوجيه الحاج محمد علي زينل في «بمبي»، وتعرف على كرة القدم عن كثب وتعلم بعض فنونها وقوانينها من الإنجليز ومن الهند البريطانية.
وأما عن مجلس الإدارة فقد جاء تشكيله على النحو التالي: علي سلطان (رئيسا)، صالح سلامة (مدربا وقائدا)، عبدالعزيز جميل (سكرتيرا)، عبدالرزاق عجلان (عضوا)، عباس حلواني (عضوا)، عثمان باناجة (عضوا)، عبدالله بن زقر (عضوا)، زهران إسماعيل (عضوا)، عبدالله جميل (عضوا). وشيئا فشيئا صار الاتحاد فريقا مهابا، خصوصا بعدما حقق انتصارات على جميع فرق الجاليات الأجنبية، وحصل على نيشان من الذهب الخالص كان قد قدمه الوجيه أحمد ناظر باسم نجله فؤاد ناظر، وذلك إثر تغلبه على فريق «المختلط» في عام 1931، علما بأن اللاعب حمزة فتيحي كان نجم هذه المباراة. وطالما أتينا على ذكر اللاعب حمزة فتيحي، فإن هناك من يؤكد أنه هو المؤسس الحقيقي للنادي لأنه كان صاحب الفكرة والشخصية الأكثر حماسا لها، والرجل الذي كانت له آراء وقرارات سديدة في فترة التكوين على الرغم من صغر سنه آنذاك، ناهيك عن أنه أنفق الكثير من جيبه الخاص على النادي دون منة أو طمع في الشهرة والمناصب. إضافة إلى ما سبق، فإن فتيحي هو الذي بادر وكتب رسالة إلى وزير الداخلية الأمير عبدالله الفيصل جاء فيها: «ما زلنا نطمع في عطف سموكم علينا وما زال الأمل والاطمئنان يحدو في نفوسنا في نيل الرضا والفوز بمطلبنا، فنحن من شبان جدة الرياضيين قد أمضينا في مزاولة لعب كرة القدم سنين ثم حرمنا منها دون ما ذنب نستحق من أجله الحرمان، ولما أن إخواننا الرياضيين من شباب مكة المكرمة والسودانيين وغيرهم من الأجانب يتمتعون حتى الآن بمزاولة هذه اللعبة ونحن ننظر إليهم بعين الحسرة والألم نظرة محروم منها في ذلة وانكسار، فإننا أتينا إلى أعتاب سموكم خاضعين مستعطفين أن يشملنا سموكم بعطفه وشفقته ويمن علينا بالموافقة الكريمة بمقارنتنا بهؤلاء الإخوان، مع امتثالنا للأوامر التي تفرض علينا، أدام الله عزكم سيدي».
وسبب هذه الرسالة -كما جاء في الصفحة 139 من كتاب «التاريخ الرياضي في عهد الملك عبدالعزيز» لمؤلفه محمد علي القدادي- هو أن الأوامر كانت قد صدرت في عام 1939 بمنع ممارسة لعبة كرة القدم بسبب أحداث الحرب العالمية الثانية، غير أن فرقا كروية عادت لممارسة اللعبة في حواري مكة في عام 1944، بينما لم يسمح بذلك في جدة إلا لفرق الجاليات الأجنبية. ويعزو الدكتور أمين ساعاتي في الصفحة 554 من كتابه آنف الذكر سبب منع الجداويين من ممارسة اللعبة إلى أمر آخر هو اتصاف بعض مبارياتهم بالخشونة المتناهية على نحو ما حدث في أول مباراة بين فريق الاتحاد وفريق البحري في عام 1933، حيث أصيب لاعب الاتحاد «هارون فيرا» بكسر، وأصيب مشجع الاتحاد «أحمد قشلان» بسكتة قلبية، وهو ما دفع أعيان جدة إلى التقدم بطلب للجهات المختصة يدعونها فيه إلى «منع ممارسة الرياضة التي كانت في نظرهم نوعا من المطاحنة والعداء والكسر». وفي أعقاب هذا الالتماس من فتيحي وتقديم بعض الرياضيين الضمانات الكافية بالابتعاد عن الخشونة والمشاغبة والاعتداء، أصدرت الجهات المختصة في عام 1938 أمرا يسمح للجداويين بالعودة لممارسة رياضة كرة القدم. غير أنه لم تمض سنتان حتى صدرت أوامر جديدة بالمنع بسبب تكرر المشاجرات في بعض المباريات.
في عام 1952، وهو العام الذي تأسست فيه الإدارة العامة للرياضة والكشافة بوزارة الداخلية، اعتزل فتيحي التدريب وتفرغ لممارسة التحكيم. ولما كان وزير الداخلية الأمير عبدالله الفيصل على اطلاع بسيرة فتيحي الناصعة في المجال الرياضي، ولما كانت وزارته وقتذاك بصدد تأسيس جهة راعية للتحكيم الرياضي، فقد قرر سموه ابتعاث بعض الرياضيين السعوديين إلى القاهرة لدراسة مهنة التحكيم، وكان فتيحي في مقدمة المنخرطين في تلك البعثة، حيث تمكن من إنهاء دورة تحكيمية وعاد إلى المملكة عام 1955 كأول حكم سعودي متخرج ومعتمد. وكانت أولى المباريات التي أدارها باقتدار تلك التي جمعت بين منتخب جدة ومكة من جهة ومنتخب الرياض من جهة أخرى، وحضرها المغفور له بإذن الله الملك سعود الأول شخصيا، علما بأن نتيجتها كانت 7/1 لصالح منتخب جدة ومكة. ومع تقدمه في العمر تحول فتيحي إلى واحد من أكبر داعمي ومشجعي ومحفزي ناديه حتى تاريخ مرضه عام 2003 ودخوله المستشفى للعلاج بأمر من الملك سلمان بن عبدالعزيز حينما كان أميرا لمنطقة الرياض، وبرعاية من أمير مكة المكرمة آنذاك الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز (رحمه الله)، الذي كان قد كرمه في مناسبة الاحتفال باليوبيل الماسي لتأسيس نادي الاتحاد في عام 2002. وأثناء مرحلة استشفائه، التي انتهت بوفاته في ثاني أيام شهر رمضان المبارك من عام 2003، كان فتيحي موضع متابعة من قبل كل محبيه وأصدقائه وجمهور ناديه وأعيان محافظة مكة المكرمة، وعلى رأسهم وزير النفط السعودي السابق هشام محيي الدين ناظر الذي وصف رحيله بـ«الرحيل المؤلم للرياضة والرياضيين في السعودية».
ويقال إن فتيحي هو الذي صمم للنادي شعاره، وهو الذي كان وراء إحضار أطقم الملابس الرياضية الحديثة لفريق كرة القدم من مدينة بور سودان السودانية، لكن الدكتور أمين ساعاتي كتب في الصفحة 549 من كتابه آنف الذكر أن مجلس إدارة النادي أوعز إلى أحد معارفه في بور سودان أنْ ينتقي أطقما من الفانلات لتكون شعارا له، فلم يجد آنذاك في المحال التجارية إلا فانلات مخططة رأسيا باللونين الأصفر والأسود، فتم اعتمادها.
كما قيل عن فتيحي إنه رفض تغيير شعار النادي حينما اقترح البعض عليه ذلك قائلا: «حينما أموت غيروا الشعار كما تشاؤون»، وذلك طبقا لما أوردته صحيفة «عكاظ» (30/6/2014)، ولهذا فإن الاتحاد هو الفريق السعودي الوحيد الذي لم يغير شعاره منذ مولده.
وفتيحي هو أيضا من جعل الاتحاد أول ناد سعودي يدخل نظام التذاكر لحضور المباريات بحسب البعض، وذلك حينما نشرت صحيفة «صوت الحجاز» في عددها السابع (سنة 1931) إعلانا يقول نصه «يعلن فريق الاتحاد الرياضي الوطني بجدة أنه قد جعل حضور المباريات التي سيقيمها بتذاكر مطبوعة.. وأنه قد جعل قيمة التذكرة في المباريات العادية ربع ريال، وفي مباريات الكؤوس نصف ريال، وأما الأعضاء الفخريون فتعطى لهم مجانا.. وأنه قد عهد إلى محمد أحمد بسيوني بجانب (صيدلية محمد سعيد تمر) توزيع تلك التذاكر وتنظيم حافلات الفريق، وستقدم لأصحاب التذاكر مقاعد لجلوسهم ومشروبات مرطبة، فنحض مواطنينا على الإقبال».
ففي ذلك العام اجتمع نفر من أبناء جدة للتشاور في أمر تأسيس فريق لكرة القدم يحتضن هواة اللعبة من المواطنين من أجل منافسة الفرق الأجنبية مثل فرق الجاليات الجاوية والسودانية والصومالية واليمنية، وفرق البوارج والبواخر الإنجليزية التي كانت تتردد من وقت إلى آخر على ميناء جدة، فكانت تنتهز فرصة رسوها يومين أو ثلاثة أيام لإجراء مباريات ودية مع الفرق المحلية. وقتها تقرر أن يطلق على الفريق الكروي الجديد اسم «الاتحاد»، وأنْ يباشر نشاطه بطريقة متفقة مع المعايير الرياضية المعروفة في العالم، كبديل عما كان سائدا في حينه مثل اللعب بالأقدام الحافية والسراويل الطويلة والثياب المشمرة على ملاعب ترابية. وسرعان ما توطدت دعائم «الاتحاد» وتحول إلى ناد رياضي عريق بفضل الدعم الذي حظي به من الأمير عبدالله الفيصل أكبر أنجال الأمير فيصل بن عبدالعزيز نائب الملك في الحجاز آنذاك، علما بأن الأمير عبدالله الفيصل كان يقود وقتها وزارة الداخلية المنوط بها في تلك الحقبة شؤون الرياضة والكشافة.
وجد الأمير عبدالله الفيصل في «الاتحاد» نواة طيبة لمستقبل رياضي مشرق في بلاده، فحرص على حضور مباراته الكبيرة الأولى مع فريق البارجة البريطانية «جون هور» التي أقيمت بجدة في عام 1949 التي فاز بها الاتحاد 2/1. وكان هذا دافعا للأمير الوزير أنْ يطلب من وزير المالية المرحوم عبدالله السليمان الذي رافقه في حضور المباراة زيادة بند مخصصات الرياضة في ميزانية وزارته. كان دافعا للأمير أنْ يتكفل بنقل فريق الاتحاد إلى القاهرة كي يتعرف عن كثب على الكرة المصرية الأكثر تطورا آنذاك ويحتك بفرقها المعروفة. وهكذا فإن الاتحاد كان قد أرسى أقدامه ككيان رياضي صلب قبل سنوات من الاعتراف الرسمي بالرياضة في المملكة العربية السعودية وما تلاه من تشكيل أجهزتها وهياكلها التنظيمية في عام 1952. إذ كانت الرياضة، وتحديدا كرة القدم، ينظر إليها حتى تاريخه كمفسدة، وكانت «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» تطارد مزاوليها وتعنفهم.
تقول الأدبيات السعودية الخاصة بتاريخ الرياضة في المملكة إن الفضل في تأسيس نادي الاتحاد يعود إلى مجموعة من شباب جدة الذين تنادوا لهذا الغرض وعقدوا اجتماعا خلف مبنى اللاسلكي في مدينة جدة. كان من بين هؤلاء الشباب المتحمس: حمزة فتيحي، عبدالصمد نجيب، إسماعيل زهران، علي اليماني، عبدالعزيز جميل، عبداللطيف جميل، عثمان باناجة، أحمد أبوطالب.
وفي الاجتماع التأسيسي اقترح عبدالعزيز جميل على الحضور أن يكون اسم النادي الجديد هو «الاتحاد» قائلا: «طالما أننا متحدون على الفكرة، فليكن اسم نادينا هو الاتحاد»، فتجاوب معه زملاؤه وفي مقدمتهم حمزة فتيحي، غير أن الدكتور أمين ساعاتي يخبرنا في الصفحة 550 من كتابه «تاريخ الحركة الرياضية في المملكة العربية السعودية» أن «اسم الاتحاد اختير بطريقة لا إرادية محاكاة لفريقي الاتحاد السكندري والاتحاد السوداني اللذين كانت أخبارهما تملأ آذان الرياضيين في الحجاز».
وفي الاجتماع نفسه اقترح اللاعب إسماعيل زهران، الذي كان وقتئذ موظفا في جهاز اللاسلكي والتلغراف، اسم رئيس جهاز اللاسلكي علي سلطان ليكون رئيسا للنادي، فقوبل اقتراحه بالموافقة الفورية. أما عن تدريب فريق كرة القدم بالنادي فقد عهد به إلى اللاعب محمد صالح محمد سلامة، خصوصا أن هذا الأخير كان عائدا للتو من الهند، حيث عمل هناك في مكاتب الوجيه الحاج محمد علي زينل في «بمبي»، وتعرف على كرة القدم عن كثب وتعلم بعض فنونها وقوانينها من الإنجليز ومن الهند البريطانية.
وأما عن مجلس الإدارة فقد جاء تشكيله على النحو التالي: علي سلطان (رئيسا)، صالح سلامة (مدربا وقائدا)، عبدالعزيز جميل (سكرتيرا)، عبدالرزاق عجلان (عضوا)، عباس حلواني (عضوا)، عثمان باناجة (عضوا)، عبدالله بن زقر (عضوا)، زهران إسماعيل (عضوا)، عبدالله جميل (عضوا). وشيئا فشيئا صار الاتحاد فريقا مهابا، خصوصا بعدما حقق انتصارات على جميع فرق الجاليات الأجنبية، وحصل على نيشان من الذهب الخالص كان قد قدمه الوجيه أحمد ناظر باسم نجله فؤاد ناظر، وذلك إثر تغلبه على فريق «المختلط» في عام 1931، علما بأن اللاعب حمزة فتيحي كان نجم هذه المباراة. وطالما أتينا على ذكر اللاعب حمزة فتيحي، فإن هناك من يؤكد أنه هو المؤسس الحقيقي للنادي لأنه كان صاحب الفكرة والشخصية الأكثر حماسا لها، والرجل الذي كانت له آراء وقرارات سديدة في فترة التكوين على الرغم من صغر سنه آنذاك، ناهيك عن أنه أنفق الكثير من جيبه الخاص على النادي دون منة أو طمع في الشهرة والمناصب. إضافة إلى ما سبق، فإن فتيحي هو الذي بادر وكتب رسالة إلى وزير الداخلية الأمير عبدالله الفيصل جاء فيها: «ما زلنا نطمع في عطف سموكم علينا وما زال الأمل والاطمئنان يحدو في نفوسنا في نيل الرضا والفوز بمطلبنا، فنحن من شبان جدة الرياضيين قد أمضينا في مزاولة لعب كرة القدم سنين ثم حرمنا منها دون ما ذنب نستحق من أجله الحرمان، ولما أن إخواننا الرياضيين من شباب مكة المكرمة والسودانيين وغيرهم من الأجانب يتمتعون حتى الآن بمزاولة هذه اللعبة ونحن ننظر إليهم بعين الحسرة والألم نظرة محروم منها في ذلة وانكسار، فإننا أتينا إلى أعتاب سموكم خاضعين مستعطفين أن يشملنا سموكم بعطفه وشفقته ويمن علينا بالموافقة الكريمة بمقارنتنا بهؤلاء الإخوان، مع امتثالنا للأوامر التي تفرض علينا، أدام الله عزكم سيدي».
وسبب هذه الرسالة -كما جاء في الصفحة 139 من كتاب «التاريخ الرياضي في عهد الملك عبدالعزيز» لمؤلفه محمد علي القدادي- هو أن الأوامر كانت قد صدرت في عام 1939 بمنع ممارسة لعبة كرة القدم بسبب أحداث الحرب العالمية الثانية، غير أن فرقا كروية عادت لممارسة اللعبة في حواري مكة في عام 1944، بينما لم يسمح بذلك في جدة إلا لفرق الجاليات الأجنبية. ويعزو الدكتور أمين ساعاتي في الصفحة 554 من كتابه آنف الذكر سبب منع الجداويين من ممارسة اللعبة إلى أمر آخر هو اتصاف بعض مبارياتهم بالخشونة المتناهية على نحو ما حدث في أول مباراة بين فريق الاتحاد وفريق البحري في عام 1933، حيث أصيب لاعب الاتحاد «هارون فيرا» بكسر، وأصيب مشجع الاتحاد «أحمد قشلان» بسكتة قلبية، وهو ما دفع أعيان جدة إلى التقدم بطلب للجهات المختصة يدعونها فيه إلى «منع ممارسة الرياضة التي كانت في نظرهم نوعا من المطاحنة والعداء والكسر». وفي أعقاب هذا الالتماس من فتيحي وتقديم بعض الرياضيين الضمانات الكافية بالابتعاد عن الخشونة والمشاغبة والاعتداء، أصدرت الجهات المختصة في عام 1938 أمرا يسمح للجداويين بالعودة لممارسة رياضة كرة القدم. غير أنه لم تمض سنتان حتى صدرت أوامر جديدة بالمنع بسبب تكرر المشاجرات في بعض المباريات.
«الهم الرياضي» يتخطى الألوان.. فتيحي مساهما بتأسيس الأندية
من جهة أخرى، كان لفتيحي فضل المساعدة في تأسيس أندية وفرق رياضية سعودية أخرى غير نادي الاتحاد، لكن تلك الأندية والفرق لم تتمكن من الصمود والاستمرارية بعد رحيل مؤسسيها، خصوصا أن فتيحي لم يكن قادرا على الاضطلاع برعاية شؤون أكثر من ناد. فمثلا ساعد الرجل صديقه أمين تونسي في عام 1931 على تأسيس فريق الاتفاق بجدة من أجل أن يستوعب هذا الفريق الأعداد المتزايدة من اللاعبين الذين تمنوا اللعب في الاتحاد، كما أنه ساعد قبل ذلك عبدالحميد مشخص (رحمه الله) في عام 1930 على تأسيس فريق الإخاء الفلاحي لضم كل عشاق كرة القدم من طلبة مدرسة الفلاح، لكنه عاد وطلب في عام 1932 تغيير اسم الفريق إلى الفريق المدرسي كي يستوعب كل طلبة المدارس وليس طلبة الفلاح فحسب. ومن الأمثلة الأخرى الدالة على ابتعاد فتيحي عن الأنانية، قيامه بمساعدة صديقه حسن شمس الذي كان يكبره سنا لجهة تأسيس النادي الأهلي بجدة في عام 1935، حيث كان الأخير لا يجد فرصة للعب في الاتحاد لأنه كان يعج بالمواهب الرياضية الكثيرة، فاقترح عليه فتيحي أن يؤسس ناديا آخر ويتولى قيادته ويشبع من خلاله طموحاته، فامتثل شمس للاقتراح وقام مع آخرين بتأسيس النادي الأهلي، بل إن فتيحي اختار له التسمية وحدد له ملعب البغدادية بجوار ملعب الاتحاد لتأدية التمارين. وفوق ذلك كان فتيحي لا يتأخر قط عن تدريب الأهلي في أوقات فراغه، ويترك لشمس فرصة التدريب واللعب في كلا النادين، الأهلي والاتحاد. ومن بين الشخصيات الرياضية التي لعبت مع فتيحي، بل وتدربت على يده أيضا، رجل الأعمال حامد عبيدلي الذي انضم إلى فريق الاتحاد كلاعب أثناء عمله في جدة لدى «آل زينل علي رضا»، ثم انتقل للعمل لدى شركة أرامكو بالظهران فأسس وقاد في الأخيرة فريق «اتحاد الظهران» الذي تغلب على فريق الأهلي الصومالي بنتيجة 2/1 في مباراة أقيمت في الظهران في عام 1946 وحضرها المغفور له الملك عبدالعزيز الذي صادف أن كان وقتذاك في جولة على منشآت النفط بالمنطقة الشرقية، فدخل «حامد عبيدلي» تاريخ الرياضة السعودية ليس باعتباره أول من أسس فريقا كرويا في المنطقة الشرقية، وإنما أيضا باعتباره الرياضي السعودي الوحيد الذي حظي بالسلام على الملك عبدالعزيز وتسلم كأسا منه.في عام 1952، وهو العام الذي تأسست فيه الإدارة العامة للرياضة والكشافة بوزارة الداخلية، اعتزل فتيحي التدريب وتفرغ لممارسة التحكيم. ولما كان وزير الداخلية الأمير عبدالله الفيصل على اطلاع بسيرة فتيحي الناصعة في المجال الرياضي، ولما كانت وزارته وقتذاك بصدد تأسيس جهة راعية للتحكيم الرياضي، فقد قرر سموه ابتعاث بعض الرياضيين السعوديين إلى القاهرة لدراسة مهنة التحكيم، وكان فتيحي في مقدمة المنخرطين في تلك البعثة، حيث تمكن من إنهاء دورة تحكيمية وعاد إلى المملكة عام 1955 كأول حكم سعودي متخرج ومعتمد. وكانت أولى المباريات التي أدارها باقتدار تلك التي جمعت بين منتخب جدة ومكة من جهة ومنتخب الرياض من جهة أخرى، وحضرها المغفور له بإذن الله الملك سعود الأول شخصيا، علما بأن نتيجتها كانت 7/1 لصالح منتخب جدة ومكة. ومع تقدمه في العمر تحول فتيحي إلى واحد من أكبر داعمي ومشجعي ومحفزي ناديه حتى تاريخ مرضه عام 2003 ودخوله المستشفى للعلاج بأمر من الملك سلمان بن عبدالعزيز حينما كان أميرا لمنطقة الرياض، وبرعاية من أمير مكة المكرمة آنذاك الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز (رحمه الله)، الذي كان قد كرمه في مناسبة الاحتفال باليوبيل الماسي لتأسيس نادي الاتحاد في عام 2002. وأثناء مرحلة استشفائه، التي انتهت بوفاته في ثاني أيام شهر رمضان المبارك من عام 2003، كان فتيحي موضع متابعة من قبل كل محبيه وأصدقائه وجمهور ناديه وأعيان محافظة مكة المكرمة، وعلى رأسهم وزير النفط السعودي السابق هشام محيي الدين ناظر الذي وصف رحيله بـ«الرحيل المؤلم للرياضة والرياضيين في السعودية».
لاعب كل الخانات.. قائد الاتحاد وداعم الرياضة
ولد حمزة حسن فتيحي في جدة في عام 1911، ابنا لعائلة تجارية معروفة. وشارك في نادي الاتحاد بعد تأسيسه كلاعب في كل الخانات باستثناء خانة حراسة المرمى في فريق كرة القدم منذ عام 1928، قبل أن يتولى قيادة الفريق وتدريبه بعد رحيل قائده ومدربه الأول اللاعب محمد صالح سلامة. ولعل أهم أسباب اختياره خلفا لسلامة هو خبرته وتفانيه في خدمة النادي، فضلا عن لياقته البدنية العالية. وفي عام 1934 تم اختيار فتيحي رئيسا للنادي تحت ضغوط اللاعبين، وذلك خلفا لصالح سنبل الذي ترأس الاتحاد لمدة أسبوعين فقط. وخلال مشواره كلاعب شارك في مباريات تاريخية لنادي الاتحاد أهمها المباراة التاريخية الحماسية التي جمعت الأخير مع نادي الرياضي بجدة في عام 1929 التي انتهت بفوز الاتحاد بثلاثة أهداف نظيفة، وكانت أول مباراة تجمع فريقين وطنيين سعوديين. وفي هذه المباراة، التي حل نادي الرياضي نفسه على وقع الهزيمة التي مني بها، سُجل أحد الأهداف الثلاثة بقدم اللاعب فتيحي. ومن المباريات القوية الأخرى التي شارك فيها فتيحي، مباراة الاتحاد مع فريق البارجة البريطانية هاستنجس، التي كانت نتيجتها تعادلا بطعم الانتصار بسبب قوة الفريق البريطاني وخبرته. وهناك مباراة التحدي بين فتيحي كقائد للاتحاد وصديقه حسن شمس كرئيس للنادي الأهلي، الذي كان قد تأسس في جدة في عام 1937، حيث فاز الاتحاد أيضا، الأمر الذي دفع الأهلي لتجنب ملاقاته على مدى السنوات الـ11 التالية. ومما لا شك فيه أن هذه الانتصارات التي حققها فريق كرة القدم بنادي الاتحاد تحت قيادة فتيحي، إضافة إلى الأجواء الحماسية في صفوف الجمهور الرياضي في الحجاز لجهة حضور المباريات الرياضية ودعم فرقها، جعلت إدارة الشؤون الرياضية بوزارة الداخلية تحت قيادة الأمير عبدالله الفيصل (رحمه الله) تقرر في مطلع الخمسينات من القرن الـ20 أن تنظم للمرة الأولى في تاريخ المملكة العربية السعودية مسابقات في كرة القدم بنظام الدوري بين الأندية وتخصص لها كأسا فضية.أول دوري سعودي اقتصر على أندية مكة وجدة
وقد اقتصر الدوري وقتذاك على أندية مكة المكرمة وجدة فقط، وذلك لتقارب المستوى الفني بين فرقها الكروية، فشاركت أندية: الاتحاد، أهلي مكة، الثغر (أهلي جدة حاليا)، الهلال البحري، الوحدة، علما بأن المباراة النهائية جمعت بين الاتحاد والثغر على ملعب الصبان في عام 1952، إذ تعادل الفريقان في الزمن الأصلي، قبل أن يفوز الاتحاد في الزمن الإضافي الذي تحدد حينذاك بـ40 دقيقة بناء على اقتراح من الأمير عبدالله الفيصل.ويقال إن فتيحي هو الذي صمم للنادي شعاره، وهو الذي كان وراء إحضار أطقم الملابس الرياضية الحديثة لفريق كرة القدم من مدينة بور سودان السودانية، لكن الدكتور أمين ساعاتي كتب في الصفحة 549 من كتابه آنف الذكر أن مجلس إدارة النادي أوعز إلى أحد معارفه في بور سودان أنْ ينتقي أطقما من الفانلات لتكون شعارا له، فلم يجد آنذاك في المحال التجارية إلا فانلات مخططة رأسيا باللونين الأصفر والأسود، فتم اعتمادها.
كما قيل عن فتيحي إنه رفض تغيير شعار النادي حينما اقترح البعض عليه ذلك قائلا: «حينما أموت غيروا الشعار كما تشاؤون»، وذلك طبقا لما أوردته صحيفة «عكاظ» (30/6/2014)، ولهذا فإن الاتحاد هو الفريق السعودي الوحيد الذي لم يغير شعاره منذ مولده.
وفتيحي هو أيضا من جعل الاتحاد أول ناد سعودي يدخل نظام التذاكر لحضور المباريات بحسب البعض، وذلك حينما نشرت صحيفة «صوت الحجاز» في عددها السابع (سنة 1931) إعلانا يقول نصه «يعلن فريق الاتحاد الرياضي الوطني بجدة أنه قد جعل حضور المباريات التي سيقيمها بتذاكر مطبوعة.. وأنه قد جعل قيمة التذكرة في المباريات العادية ربع ريال، وفي مباريات الكؤوس نصف ريال، وأما الأعضاء الفخريون فتعطى لهم مجانا.. وأنه قد عهد إلى محمد أحمد بسيوني بجانب (صيدلية محمد سعيد تمر) توزيع تلك التذاكر وتنظيم حافلات الفريق، وستقدم لأصحاب التذاكر مقاعد لجلوسهم ومشروبات مرطبة، فنحض مواطنينا على الإقبال».