يفرض الغياب المبكّر للشخصيات الاستثنائية مزيد أمنيات، ويلقي بوابل أسئلة، خصوصاً إذا كان الراحل شاعراً مفطوراً بقامة حمد الحجي الذي نمت موهبته في حضن فواجع، وتفتّقت براعمها من شجرة الموت، بدءًا من والدته مروراً بفقد شقيقيه إبراهيم وعبدالعزيز، وتزويج شقيقته الكبرى، فمضّه الحُزن، ورفع درجة حساسيته، وزاد حالة السوداوية، وتمثّل على قبر أبيه عام ١٣٩٤هـ.
وأنا الذي أخذ الزمانُ حبائبي
وبقيتُ في الدنيا بغير حبيبِ
ولد الحجي عام ١٣٥٧، في محافظة مرات، وعهد به والده لكُتّاب (السَّبل) فلفت نظر أساتذته، ونقلوه لأول مدرسة ابتدائية (الأميرية) في الصف الثالث، فتفوق دراسياً، فاستعان به مدير المدرسة ليُغطي فراغ المدرّسين الغائبين، واستكتبه التجار لتوثيق العقود لجمال خطه، فغدا حديث المجتمع، بينما داهمته الأسئلة الوجودية، كما قال في قصيدة «ذكرى الطفولة».
يبدو لعينيَّ الوجود كلُجّةٍ
لم أدر ما تحويه غير سفينتي
ولقد جَهِلتُ سفينتي وسفينتي أناي
غير أني قد جهلتُ حقيقتي
نال الحجي صيف ١٣٧٢هـ، شهادة الابتدائية، وانتقل لإتمام دراسته بالمعهد العلمي في الرياض، وظهر نبوغه الشعري في الثالثة المتوسطة، وألقى قصيدة حيّا بها أول مطبعة في الرياض.
لو كان «جوتنبرغ» حياً سرّه
ما للطباعة من عظيم قرارِ
فأصبح ملهج ألسنة زملائه ومعلميه، وفي ١٣٧٧، التحق بكلية الشريعة واللغة العربية، وفي افتتاح جامعة الملك سعود كتب قصيدة.
في موكب البعث غَنِّ الشِّعرَ تغريداً
وأرسلِ اللحنَ في دنياك ترديداً
فضمنتها وزارة المعارف كتاب الأناشيد والمحفوظات، وحين زار رئيس تحرير مجلة العربي الدكتور أحمد زكي، النادي الأدبي «يتبع كليتي الشريعة واللغة العربية بالرياض»، كتب قصيدة في ساعة واحدة منها:
يا بدرُ إنك في الظلام سميري
ما لي سواك مناغم لشعوري
ناهيك عن كتاباته النقدية والمقالية. وبدأت معاناة الحِجي النفسية عام ١٣٨٠، وشخّصها الأطباء «حالة فصام وجداني حاد»، وأدخله والده مستشفى الصحة النفسية في الطائف (شهار) فزادت معاناته، فقرر الملك سلمان بن عبدالعزيز نقله إلى لبنان وقضى عدة أشهر في مصح نفسي، فأبهج النزلاء بقصائد أضاءت عتمة جدران المصحات. واستمرت حالته النفسية وتجلياته الإبداعية حتى وفاته عام ١٤٠٩، فيما وثّق سيرته الدكتور محمد بن سعد بن حسين، والدكتور حمد الزيد، ومحمد الشدي، والدكتور خالد الدخيل، والدكتور عبدالله الحيدري، وعبدالله عبدالعزيز الضويحي.