محمود العالم.
محمود العالم.
-A +A
علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@
اعتنى المفكر اليساري محمود أمين العالم بالإنسان، ودرس الفلسفة لحماية الكينونة بالسيرورة الآمنة، ونشد الكمال الوجودي عبر منطقة الأشياء، وبرغم إيقاعية طرحه الذاتي إلا أنه اضطر في أواخر أيامه إلى التسليم بالموضوعية والإيمان بالعلم فتخلى عن تمسكه بحتمية المصادفة وسلّم بالضرورة السببية.

ولد العالِم في حارة الكحكيين في 18 فبراير 1922، وتهجت خطواته الأولى الدرب الأحمر بين المبانى التاريخية القديمة الشاهدة على ديالكتيك العصور، وصعد جبل الدراسة ليرصد فوانيس الألمان تضيء جحافل الإنجليز، ومن باب الخلق تسلل إلى الكتبخانة، فعشق القراءة وبدأ بقصص كامل كيلاني. واستعان به أخوه الكفيف ليقرأ له كتب الأزهر فقرأ العقيدة والفقه وأصوله وأسس لمنهجية معرفية أسهمت في تعلقه بالفلسفة.


وعى العالم مبكراً على الفنون الشعبية وافتتن بما يقدمه محمود شكوكو بصفته ابن حارته، وأغرته كتابات عبدالرحمن بدوي، وترجمات نيتشة، ومؤلفات زكي نجيب محمود، وأحمد أمين بالدراسة الجامعية وهو موظف في الكلية. وبرغم بناء نظرياته على المصادفة الحتمية إلا أن كتاب (المادية والنقد التجريبي) لفته إلى السنن الكونية والنواميس فدخل في أزمة واضطر لإعادة صياغة أفكاره وقضى ما يقارب 3 أعوام لتعديل فصول أطروحته الفلسفية، وتعرض للفصل والسجن، وسافر إلى فرنسا وعمل أستاذاً في جامعة باريس لتدريس الفلسفة الإسلامية.

خاض معارك عدة مع الدكتور طه حسين حول علاقة الشكل بالمضمون لا علاقة الألفاظ بالمعاني، واختلف مع العقاد بخصوص الوحدة الموضوعية والعلاقات العضوية للنص، واعتنى بالحركة النقدية، ودعا للوحدة العربية مع مراعاة خصوصية وكينونة كل وطن، وحذر من زمن كوني ينتج أرقى تقنية ويسوّق أدنى الأخلاق.

فاز العالم قبل رحيله بجائزة الدولة التقديرية، وجائزة سلطان العويس، ونال وسام جبران خليل جبران من أستراليا، وجائزة ابن رشد من ألمانيا. بينما فُصل من العمل عام 1954 لأسباب سياسية، وعمل كاتباً صحفياً متفرغاً، ومحرراً أدبياً في مجلة المصور والهلال، ورئيساً لهيئة الكتاب ومؤسسة المسرح والموسيقى، ورئيساً لمؤسسة أخبار اليوم، وتعاقدت معه جامعات بريطانية وفرنسية. ومن أبرز مؤلفاته: الإنسان موقف، ومعارك فكرية، وفلسفة المصادفة، والوعي والوعي الزائف في الفكر العربي، ومفاهيم وقضايا إشكالية، والفكر العربي بين الخصوصية والكونية، ومواقف نقدية من التراث، والإبداع أو الدلالة، ومن نقد الحاضر إلى إبداع المستقبل، قبل أن يتوفى في 10 يناير 2009.