غالب كامل
غالب كامل
-A +A
طالب بن محفوظ (جدة) talib_mahfooz@
داخل أحد بيوتات البلدة القديمة بمناخها الجبلي وموقعها الاستراتيجي «سيلة الظهر»؛ كانت ولادته بداية الأربعينات الميلادية لأبوين حملا بُعداً تفاؤلياً لأبنائهما.. وفي نصف قرن إلا عقدٍ من الزمان؛ شكَّل جزءاً مهماً من الذائقة البصرية والسمعية.. ومن برامج حملت «لذة متابعة» و«متعة فائدة»؛ افتخر بكنز متجذِّر في ذاكرة جيل لم يعرف أنيساً سوى «الراديو».. وحين عرف شيئاً عن كل شيء؛ صنع من «الارتجال» فارقاً.. إنه الإعلامي المذيع غالب كامل.

من بُغْية طفولية بمهنة «طيار»؛ حلَّق بصوته في سماء «الأثيرين».. ومن حلم شاب سكنه الإعلام؛ أرهق ميزانية والده بشراء «جهاز تسجيل» أصبح صديقه.. ومن وصية لأبيه نفذها بالانتماء إلى الإعلام السعودي؛ انتقل إليه مذيعاً ومعلقاً.. إلى أن أصبح نجماً لا يعبر طريقاً دون أن تلتفت إليه أعناق المارة.


وفي قاعدة متينة وجرأة حوارية وهيبة مذيع، و16 ساعة يومية داخل «الاستديو»؛ صنع مشهداً إعلامياً سامقاً.. ومن فصاحة لغة وسحرها، وجهارة حنجرة وعذوبتها؛ طرق البيوت ودخل مسامع أهلها وقلوبهم.. ومن حصيلة معرفة وسعتها، ومحصلة بديهة وجودتها؛ بقي أيقونة محفورة بذاكرة الناس رغم غيابه الطويل عن الشاشة ومنضدة الأخبار.

بين استطراب «ذكرى» ودوزنة «ذكريات» واسترجاعهما على مقامات منابر الإعلام؛ لُقِّب بـ«رفيق الملوك» لتغطيته المناسبات الملكية منذ عهد الملك فيصل.. و«صديق الراحلين» لملازمته الرعيل الأول من عمالقة جيل «زمن الطيبين».. ولما أتقن فنون الإعداد والتنفيذ والتعليق والإلقاء والتقديم والمونتاج؛ حمل درجة «المذيع الشامل» القادر على فعل أي شيء.

وحين اكتسى ثوب تقدير الذات وقناعة النفس؛ لم يكن «تاجر كلمة» يبحث عمن يدفع أكثر.. وحين لم يستغل علاقاته المتشعبة؛ لم يخرج من الإعلام إلا بمعاشه التقاعدي واستثماره في أبنائه.. ومن وفاء للإذاعة والتلفزيون الرسميين وحنين لهما؛ لم يؤنب ذاته لرفضه عروض فضائيات ومحطات إذاعية رغبت في استقطابه.

عند رنين ملهمه «الميكرفون»، وطنين شغفه «الشاشة»، وحنين العودة رهيناً لهما؛ ابتلع غصَّة تجاهلهما له، مبقياً الماء في فمه لإخفاء جروحه.. ولما أوهن المرض جسده بلفحة هواء أدخلت فيروساً لم تقاومه رئتاه؛ وقَّع عقداً مع «أنانية» إعلام التهم شبابه وحياته الأسرية وعالمه الاجتماعي، فاسترفد بسلوى أصدقاء «الطراز الأول».