أثارت الآراء المتضاربة لعدد من كبار العلماء الغربيين في شأن وباء كوفيد 19 العالمي استقطاباً حاداً وسط العوام. ومن سوء حظ أولئك العلماء الذين غيروا بعض آرائهم المتعلقة بنازلة فايروس كورونا الجديد، أن ذلك حدث في ظل وجود تطبيقات التواصل الاجتماعي، التي أوسعتهم انتقاداً. وعدّ بعضها ذلك التذبذب في الآراء خيطاً من خيوط «نظرية المؤامرة». وذكرت صحيفة «الغارديان» البريطانية أن الحال الأقرب شبهاً بواقع الخطاب العلمي اليوم يتمثل في مقولة مكتشف نظرية النسبية العالِم ألبرت إينشتاين: يكون العالِم حريصاً على نفسه حين يدرك أنه ارتكب خطأ، تماماً مثل ما يفعل نبات الخرنوب (الميموزا)، الذي تنغلق زهرته إذا مدّ الإنسان يده نحوها. لكنه يزأر مثل الأسد حين يكتشف خطأً ارتكبه آخرون. وكان تغيّر آراء العلماء منذ اندلاع نازلة كورونا في شأن الإغلاق، وتطعيم الأطفال، وارتداء أقنعة الوجوه (الكمامات) أحدث استقطاباً كبيراً لدى أفراد الجمهور. لكنها قالت إن إثبات خطأ العالِم يدخل في صميم التقدم العلمي. ففي العِلم يُنظر إلى إعراضِ العالِم عن إعادة النظر في موقفه باعتباره ضعفاً عقلياً، وليس قوة أخلاقية. وقال العالِم البريطاني بجامعة لندن الإمبريالية البروفيسور بيتر أوبنشو للصحيفة، إن من أكبر الأخطاء التي ارتكبها في أتون الوباء العالمي أنه ظن أن اللقاحات المضادة لكوفيد لن تنجح. وأضاف أن على العالِم أن يتقبل أن تُمليَ عليه الحقائقُ تغييرَ رأيه في أية قضية. وهو أمر يختلف عن السياسة، إذ إن السياسي يتمسك بموقفه تجاه قضية ما، حتى لو اكتشف خطأ موقفه، لئلا يقال إنه قدم تنازلات. وأضاف، بأمانة لم أتوقع نجاح اللقاحات؛ لأنه لم يكن هناك لقاح ضد فايروس كورونا الذي يصيب البشر. كما أن اللقاحات التي أنتجت ضد فايروس كورونا الذي يصيب الحيوانات لم تكن فعالة. وأذكر أننا قلنا في تقريرنا الأول عن كوفيد، الصادر عن أكاديمية العلوم الطبية البريطانية، إنه لن يكون هناك لقاح متاح في المستقبل القريب. لذلك ذهلت حقاً حين نجحت التجارب السريرية الأولى للقاح قبيل عيد الميلاد، في سنة 2020، وما لبثنا أن حصلنا على الهدية - المفاجأة. وكانت اللقاحات أكثر فعالية مما توقعت.
وقال أستاذ الصحة العامة بجامعة نيوكاسل البروفيسور أليسون بولوك، إنه أسِف لأنه لم يرفع صوته معارضاً إغلاق المدارس، ضمن سياسة الإغلاق التي أعلنت. وأوضح أنه حين فُرض الإغلاق الشامل في مارس 2020 كنا نعرف مسبقاً أن الأطفال هم الفئة الأقل عُرضة لخطر الإصابة بالفايروس. وكان ينبغي استمرار تعليمهم في المدارس. تمنيت لو أني أعربت عن معارضتي لإغلاق المدارس بصوت أشد جهراً. ولو أغلقت فكان ينبغي ألا يتجاوز إغلاقها بضعة أسابيع. كان هناك خوف وقلق كبيران لدى اتحادات المعلمين. لكن أعضاءها لم ينظروا إلى الأدلة العلمية. وكان يتعين على الحكومة البريطانية أن تجدّ في وضع أنظمة من شأنها تمكين المدارس من البقاء مفتوحة. لكن كان من الصعب المجاهرة بتلك الآراء لأن الجو كله كان مسيساً.
وأشارت مديرة مركز التغير السلوكي بجامعة لندن البروفيسور سوزان ميتشي إلى أن قراءتها الأولية بشأن جدوى ارتداء الكمامة كان لا بد أن تتغير؛ خصوصاً الاعتقاد بأن ارتداء الكمامة يمكن أن يوفر وسيلة جديدة لإفشاء العدوى، إذا مس الشخص كمامته، ووضع يده بعد ذلك على أسطح أخرى. كما كان ثمة تحفظ من جانبها إزاء احتمال تصرف من يرتدي الكمامة بقدر أقل من الحذر الواجب. وأوضحت ميتشي أن رأيها في هذين الجانبين تغير بعدما أكدت الأدلة العلمية أن السبيل الأكبر للعدوى يتمثل في جزئيات الفايروس المتطايرة في الهواء، وليس القُطَيْرات المتناثرة من السعال ونحو ذلك. وأضافت أنها سئلت في مقابلة تلفزيونية إلى متى سيظل الأفراد يرتدون الكمامات، فردت بأن ذلك سيدوم للأبد. وهو ما جرّ عليه هجوماً حاداً وانتقادات. لكن العلم أثبت على أرض الواقع أن الكمامة قادرة فعلياً على خفض احتمالات الإصابة بالفايروس الذي يتطاير في الهواء.
مهندس الإغلاق: أخطأت في
3 أشياء !
اعترف مهندس الإغلاق الأول في بريطانيا أستاذ مكافحة الأوبئة بجامعة لندن الإمبريالية البروفيسور نيل فيرجسون بأنه أخطأ في ثلاثة أشياء مهمة: أولها - أنه خلص بعد إعداد نماذج تحليلية رياضية في فبراير / مارس 2020 إلى أن عدم فحص المسافرين في المطارات البريطانية جعل 70% من الإصابات الفايروسية غير معروفة لدى السلطات الصحية. ولكن بعد تحليل لمعطيات تلك الفترة ومؤشراتها اتضح أن النسبة 90% وليست 70%. والثاني - أنه كان يتوقع أن يتحور الفايروس. لكن ما حدث حين تحورت سلالة ألفا، ومدى تسارع تفشيها، وخطورتها الصحية كان أمراً مفاجئاً بالنسبة إليه. والشيء الثالث هو أنه لم يمانع في إلغاء إرشادات التباعد الجسدي، بحكم أن نسبة مناعة القطيع ارتفعت نتيجة الإصابة والخضوع للقاحات المضادة للوباء خلال السنة الماضية. لكنه قال إنه على رغم ذلك ظهرت متحورات جديدة، ما جعل التكهن بمسار الوباء في المستقبل أمراً بالغ الصعوبة.
(مليون إصابة)