لم ينته الحوار حول قصيدة الشاعر حيدر العبدالله «حيوان المعدن»، وربما كان هذا الحوار والجدل أكبر حوارات الثقافة حول قصيدة شعرية في عصر شبكات التواصل الحديثة، ومنصاتها الأكثر إثارة للجدل في هذه الأيام.
القصيدة، كما نشرت «عكاظ» في عددها (20331)، لفتت إليها الشعراء والمهتمين والنقاد على غير عادتهم، وكذلك القرّاء الذين اختلفوا حول القصيدة واتفقوا عليها، وما بين الاختلاف والاتفاق رؤية أو قناعة وربما موقف إلّا أنّ المهم في كل هذا وذاك أن المشهد الثقافي يمكنه أن يتحرّر من رتابته، وينفض عنه كسل القارئ، ونرجسيّة الناقد، وحساسية المبدع.
غياب النقد الأدبي الجاد
تفاعل الشاعر حيدر العبدالله مع هذا الجدل الذي أثاره النقاد والشعراء والمهتمون حول قصيدته خير دليل على أنّ المبدع يمكنه أن يقرأ ويتابع ويتداخل إن لزم الأمر في نصّ إبداعي كتبه، وآمن بحرية المتلقي في إبداء رأيه حوله دون وصاية أو حساسية، حيث عدّ العبدالله هذا الجدل حلقة نقاش عظيمة دارت على «تويتر» حول الجدوى الشعرية لقصيدة حيوان المعدن، جمعت أسماء نقدية بارزة، وجملة من المتذوقين.
العبدالله ألمح إلى الغياب الملحوظ للنقد الأدبي الجاد عن حلبات وسائل التواصل الاجتماعي، وركونه للدعة أحياناً، وللمجاملة أحياناً أخرى، وللنقد التعميمي، أو للنميمة النقدية في أحسن الأحوال!
وأشار العبدالله إلى تراجع الناقد الأدبي إلى المقاعد الخلفية، وتركه فصل الخطاب لعامة المتذوقين، ما أفرز ذائقة شعبية خديجة الخلق. وجدّد العبدالله دعوته إلى التغريدة النقدية، ليس تقييماً للنص الأدبي فحسب، بل من أجل تقويم الذائقة العامة أيضاً. واشترط لإنجاح هذه الفكرة أن يتحلى المبدع بمزيد من الشجاعة والرغبة في الإنصات، وأن يتحلى الناقد بمزيد من الجرأة والموضوعية.
نصّ شعريّ مكتمل الرؤية
الأكاديمي والناقد سعود الصاعدي، كان له رأي حول القصيدة مدار الاختلاف، إذ أكد أنّ حيدر العبدالله يتحرك في شعريته التي تقارب اليومي، في هامش هو ما يفترض أن يكون عليه المتن الشعري الجديد، وأكد أنّه يركز على المضامين واللغة التي تنتقل بالشعر إلى الاستعمال اليومي، ومصطلحات العصر، وأضاف، لحيدر أكثر من نص في سياق هذه التجربة التي تثير الجدل حول توظيفه الشعري ورؤيته التي يطرحها من خلال هذه النصوص، تستند هذه الرؤية على التعبير عن العصر بمفرداته وموجوداته، ونقلها إلى وجدان الشعر من طريق اليومي، والأنسنة.
وأشار الصاعدي إلى أنّ قصيدة «حيوان المعدن» توليفة ذات تركيب شعري بدءاً من العنوان، حيث زاوج الشاعر بين الحي والجماد، وامتدت هذه المزاوجة على مستوى البنية، متجاوزاً التركيب الجزئي إلى إنتاج نص مكتمل الرؤية عن تحوّل المعدن/ السيارة إلى رفيقة تستلهم تلك الرفقة بين الشاعر وناقته في الشعر القديم، لكن هذا الاستلهام لا يتوقّف عند حدود الاستبدال الاستعاري، بل يتجاوزه إلى النظر في العلاقة الجديدة بين الإنسان والمعدن في مقابل العلاقة القديمة بين الإنسان والحيوان.
وأكد الصاعدي، أنّ ما يلفت في هذا النص ليس هذا التوازي بين الحيوان والآلة، وإنما هذه التركيبة الشعرية التي استطاعت أن تعبّر عن العصر الراهن بوجدان اللغة الطيّعة، وذلك ما يضيفه الشاعر على تجربة الشعر الفصيح في دخوله إلى عالم الأشياء وترويضها لتكون قريبة من منطقة التعبير، وتلك خاصية كانت للشعر المحكي، حيث نجد الشعراء العاميين قد عبروا عن العلاقة مع السيارة في مقابل المطيّ، لكنها كانت تجربة على نمط الشعر القديم، لا تبرح الاستبدال اللغوي والأسماء، وإن أوغلت ذهبت إلى التفاصيل في الوصف التقليدي.
أما حيدر فنقل هذه التجربة إلى رؤية الشعر الفصيح في تجدده شكلاً ومضموناً، حيث اختار لها فضاء شعر التفعيلة، مع الاختلاف كلياً في طريقة الوصف والتعبير عن علاقة حميمة بين الإنسان والآلة. وأشار الصاعدي إلى أنّ في النص ذكاء شعرياً وحوارية استطاعت أن تنفذ إلى روح الشعر رغم صعوبة النفاذ إليه بالمعجم الآلي، وذلك من طريق التركيب البديع بين جزءين وكائنين: الحيوان والمعدن، امتدّا في بنية القصيدة من عنوانها إلى إنسانها في المقطع الأخير:
وثق بي
إن الذي يتقلّب في أحضان السيارات
غرير القلب وليس ثقة!
هذا المقطع الذي يفتح كوة لرمزية لطيفة هي خلاصة النص الشعري، حيث تبدأ قصيدة أخرى بعد نهاية القصيدة، لكنها مضمرة في أعطاف هذا النص.
اتفاق النقاد يوجب رجمهم
الكاتب والأكاديمي عبدالله السفياني، ذهب إلى أنه لو اتفق النقاد لرجمناهم بالحجارة، وأكد أنّ النقاد لم يتفقوا قديماً على رأي نقدي تجاه شاعر أو نصّ بعينه، وكتب التراث مليئة باختلافاتهم الطبيعية، فجزء من هذا الاختلاف يعود إلى طبيعة النقد وتأثره بالانطباع والذوق الخاص، لذلك لا يمكن أن يكون لدينا نقد أدبي موضوعي غير ذاتي بنسبة 100%، واستشهد السفياني بابن قتيبة الذي عاب أبياتاً التي تقول:
فلما قضينا من منى كل حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح
أخذنا بأطرافِ الأحاديث بيننا وسالتْ بأعناقِ المَطِيِّ الأباطحُ.
إذ رأى أنه لا طائل تحتها ولا معنى مستفاد.
ثم يأتي ابن الأثير والجرجاني ليعليا من شأنها وجمالها وروعة مأخذها!
ولا نكاد نجد شاعراً قديماً إلا وللنقاد فيه جدل لا ينتهي وليس أبو تمام والمتنبي ببدعة في ذلك. وأكد السفياني، أنّ اختلاف النقاد حول نص (حيوان المعدن) يأتي في هذا السياق الطبيعي لاختلاف الأذواق واختلاف زوايا النظر واختلاف الرؤية الفنية لكل ناقد، والمدارس النقدية التي تأثر بها وآمن بأفكارها، وكل ذلك مقبول وصحي وحيوي جداً، لكن غير المقبول هو الانفعال الذي يقصي ويهمش ويحتكم إلى ذوقه ويتخذه معياراً، كل من خالفه فهو ساقط لا يعتد به. وأشار السفياني إلى أنّ بعض هؤلاء المنفعلين أصبحوا يصدرون صكوك الشاعرية من عدمها على حسب أمزجتهم. مع أن خارطة الإبداع كبيرة جداً وتستوعب الكثير من الأنماط الشعرية والنثرية.
هل صفق السريحي طرباً أم مجاملة ؟
الناقد والأكاديمي عبدالدائم السلامي، أكد لـ«عكاظ» أنّ قصيدة «حيوان المعدن» للشاعر حيدر العبدالله يُحسب لها أنّها أثارت بمُفردها حواراً أدبياً شارك فيه نقّاد جامعيون وإعلاميون مهرة. وهو حوارٌ، وإن حضر فيه قليلٌ من التوافق وكثيرٌ من الاختلاف والامتلاء بالذّات، بدا لي مُنبئاً بنوع من النقاش الأدبيّ جديد، لا أملك إلّا أن أرجو له أن يتأسّس في ثقافة نقدنا العربي حتى يتخلّى الواحد من نقّادنا عن تقديس المكرَّس المكرَّر من الأدب والأدباء، ويلتفت إلى الطريّ الحارّ من إبداع الشباب، بل ويحضُر مجالِسَه، لا بل ويُصفِّق له تصفيق الدكتور سعيد السريحي لحيدر العبدالله!
وتساءل السلامي: هل أُعجب أستاذنا السريحي بالقصيدة فصفّق لها؟
وأجاب: لا نعلم، هو قال: «كنتُ ممّن حضروا مجلس إلقائها وكنتُ ممَّن طَرِب لها وصفَّق»، وهذا أمرٌ جيّد من ناقد وشاعر كبير، ولكنّه سرعان ما أضاف قوله: «الطرب والتصفيق لا يمكن اعتبارهما حكماً نقدياً»، وبهذا أدخلَناَ في حَيْرة؛ فهل صفّق للقصيدة من قَلْبه طرَباً؟ أم صفّق لها مجاملةً؟ نُقدِّر أنه لو صفّق لها طرَباً لدافع عن شعريتها باستماتة، لأنّ الطرب بقصيدة مّا إنما هو حُكم نقدي (ذَوْقي) يصدره المستمع بفكره وجسده معاً، وهو أصدق أحكام النقد، ولا يقدر أيّ منهج أدبيّ في الأرض أنْ يزعزعَه أو يُفنِّدَه، فالتذوق ليس فعلاً سهلاً ومقدوراً عليه من قبل كل الناس، إنه أرقى ما تبلغه المهارة، وإنه لن يتذوّق إلا خبير. وعليه، لا يقدر المرء على الطرب لقصيدة من جهة، ثمّ يَعُدّها قليلة الشعرية من جهة أخرى.
السلامي، أكد أنه استَمْتع بما قاله الأستاذان حاتم الزهراني وعادل خميّس، فقد كان رأياهما النقديّان هادئيْن، وأحال كلّ رأي منهما على معرفة بالشعر مُناسِبة، وبلغ الرَّجُلان من معاني قصيدة حيدر العبدالله أسْخَاها دَلالةً.
القصيدة، كما نشرت «عكاظ» في عددها (20331)، لفتت إليها الشعراء والمهتمين والنقاد على غير عادتهم، وكذلك القرّاء الذين اختلفوا حول القصيدة واتفقوا عليها، وما بين الاختلاف والاتفاق رؤية أو قناعة وربما موقف إلّا أنّ المهم في كل هذا وذاك أن المشهد الثقافي يمكنه أن يتحرّر من رتابته، وينفض عنه كسل القارئ، ونرجسيّة الناقد، وحساسية المبدع.
غياب النقد الأدبي الجاد
تفاعل الشاعر حيدر العبدالله مع هذا الجدل الذي أثاره النقاد والشعراء والمهتمون حول قصيدته خير دليل على أنّ المبدع يمكنه أن يقرأ ويتابع ويتداخل إن لزم الأمر في نصّ إبداعي كتبه، وآمن بحرية المتلقي في إبداء رأيه حوله دون وصاية أو حساسية، حيث عدّ العبدالله هذا الجدل حلقة نقاش عظيمة دارت على «تويتر» حول الجدوى الشعرية لقصيدة حيوان المعدن، جمعت أسماء نقدية بارزة، وجملة من المتذوقين.
العبدالله ألمح إلى الغياب الملحوظ للنقد الأدبي الجاد عن حلبات وسائل التواصل الاجتماعي، وركونه للدعة أحياناً، وللمجاملة أحياناً أخرى، وللنقد التعميمي، أو للنميمة النقدية في أحسن الأحوال!
وأشار العبدالله إلى تراجع الناقد الأدبي إلى المقاعد الخلفية، وتركه فصل الخطاب لعامة المتذوقين، ما أفرز ذائقة شعبية خديجة الخلق. وجدّد العبدالله دعوته إلى التغريدة النقدية، ليس تقييماً للنص الأدبي فحسب، بل من أجل تقويم الذائقة العامة أيضاً. واشترط لإنجاح هذه الفكرة أن يتحلى المبدع بمزيد من الشجاعة والرغبة في الإنصات، وأن يتحلى الناقد بمزيد من الجرأة والموضوعية.
نصّ شعريّ مكتمل الرؤية
الأكاديمي والناقد سعود الصاعدي، كان له رأي حول القصيدة مدار الاختلاف، إذ أكد أنّ حيدر العبدالله يتحرك في شعريته التي تقارب اليومي، في هامش هو ما يفترض أن يكون عليه المتن الشعري الجديد، وأكد أنّه يركز على المضامين واللغة التي تنتقل بالشعر إلى الاستعمال اليومي، ومصطلحات العصر، وأضاف، لحيدر أكثر من نص في سياق هذه التجربة التي تثير الجدل حول توظيفه الشعري ورؤيته التي يطرحها من خلال هذه النصوص، تستند هذه الرؤية على التعبير عن العصر بمفرداته وموجوداته، ونقلها إلى وجدان الشعر من طريق اليومي، والأنسنة.
وأشار الصاعدي إلى أنّ قصيدة «حيوان المعدن» توليفة ذات تركيب شعري بدءاً من العنوان، حيث زاوج الشاعر بين الحي والجماد، وامتدت هذه المزاوجة على مستوى البنية، متجاوزاً التركيب الجزئي إلى إنتاج نص مكتمل الرؤية عن تحوّل المعدن/ السيارة إلى رفيقة تستلهم تلك الرفقة بين الشاعر وناقته في الشعر القديم، لكن هذا الاستلهام لا يتوقّف عند حدود الاستبدال الاستعاري، بل يتجاوزه إلى النظر في العلاقة الجديدة بين الإنسان والمعدن في مقابل العلاقة القديمة بين الإنسان والحيوان.
وأكد الصاعدي، أنّ ما يلفت في هذا النص ليس هذا التوازي بين الحيوان والآلة، وإنما هذه التركيبة الشعرية التي استطاعت أن تعبّر عن العصر الراهن بوجدان اللغة الطيّعة، وذلك ما يضيفه الشاعر على تجربة الشعر الفصيح في دخوله إلى عالم الأشياء وترويضها لتكون قريبة من منطقة التعبير، وتلك خاصية كانت للشعر المحكي، حيث نجد الشعراء العاميين قد عبروا عن العلاقة مع السيارة في مقابل المطيّ، لكنها كانت تجربة على نمط الشعر القديم، لا تبرح الاستبدال اللغوي والأسماء، وإن أوغلت ذهبت إلى التفاصيل في الوصف التقليدي.
أما حيدر فنقل هذه التجربة إلى رؤية الشعر الفصيح في تجدده شكلاً ومضموناً، حيث اختار لها فضاء شعر التفعيلة، مع الاختلاف كلياً في طريقة الوصف والتعبير عن علاقة حميمة بين الإنسان والآلة. وأشار الصاعدي إلى أنّ في النص ذكاء شعرياً وحوارية استطاعت أن تنفذ إلى روح الشعر رغم صعوبة النفاذ إليه بالمعجم الآلي، وذلك من طريق التركيب البديع بين جزءين وكائنين: الحيوان والمعدن، امتدّا في بنية القصيدة من عنوانها إلى إنسانها في المقطع الأخير:
وثق بي
إن الذي يتقلّب في أحضان السيارات
غرير القلب وليس ثقة!
هذا المقطع الذي يفتح كوة لرمزية لطيفة هي خلاصة النص الشعري، حيث تبدأ قصيدة أخرى بعد نهاية القصيدة، لكنها مضمرة في أعطاف هذا النص.
اتفاق النقاد يوجب رجمهم
الكاتب والأكاديمي عبدالله السفياني، ذهب إلى أنه لو اتفق النقاد لرجمناهم بالحجارة، وأكد أنّ النقاد لم يتفقوا قديماً على رأي نقدي تجاه شاعر أو نصّ بعينه، وكتب التراث مليئة باختلافاتهم الطبيعية، فجزء من هذا الاختلاف يعود إلى طبيعة النقد وتأثره بالانطباع والذوق الخاص، لذلك لا يمكن أن يكون لدينا نقد أدبي موضوعي غير ذاتي بنسبة 100%، واستشهد السفياني بابن قتيبة الذي عاب أبياتاً التي تقول:
فلما قضينا من منى كل حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح
أخذنا بأطرافِ الأحاديث بيننا وسالتْ بأعناقِ المَطِيِّ الأباطحُ.
إذ رأى أنه لا طائل تحتها ولا معنى مستفاد.
ثم يأتي ابن الأثير والجرجاني ليعليا من شأنها وجمالها وروعة مأخذها!
ولا نكاد نجد شاعراً قديماً إلا وللنقاد فيه جدل لا ينتهي وليس أبو تمام والمتنبي ببدعة في ذلك. وأكد السفياني، أنّ اختلاف النقاد حول نص (حيوان المعدن) يأتي في هذا السياق الطبيعي لاختلاف الأذواق واختلاف زوايا النظر واختلاف الرؤية الفنية لكل ناقد، والمدارس النقدية التي تأثر بها وآمن بأفكارها، وكل ذلك مقبول وصحي وحيوي جداً، لكن غير المقبول هو الانفعال الذي يقصي ويهمش ويحتكم إلى ذوقه ويتخذه معياراً، كل من خالفه فهو ساقط لا يعتد به. وأشار السفياني إلى أنّ بعض هؤلاء المنفعلين أصبحوا يصدرون صكوك الشاعرية من عدمها على حسب أمزجتهم. مع أن خارطة الإبداع كبيرة جداً وتستوعب الكثير من الأنماط الشعرية والنثرية.
هل صفق السريحي طرباً أم مجاملة ؟
الناقد والأكاديمي عبدالدائم السلامي، أكد لـ«عكاظ» أنّ قصيدة «حيوان المعدن» للشاعر حيدر العبدالله يُحسب لها أنّها أثارت بمُفردها حواراً أدبياً شارك فيه نقّاد جامعيون وإعلاميون مهرة. وهو حوارٌ، وإن حضر فيه قليلٌ من التوافق وكثيرٌ من الاختلاف والامتلاء بالذّات، بدا لي مُنبئاً بنوع من النقاش الأدبيّ جديد، لا أملك إلّا أن أرجو له أن يتأسّس في ثقافة نقدنا العربي حتى يتخلّى الواحد من نقّادنا عن تقديس المكرَّس المكرَّر من الأدب والأدباء، ويلتفت إلى الطريّ الحارّ من إبداع الشباب، بل ويحضُر مجالِسَه، لا بل ويُصفِّق له تصفيق الدكتور سعيد السريحي لحيدر العبدالله!
وتساءل السلامي: هل أُعجب أستاذنا السريحي بالقصيدة فصفّق لها؟
وأجاب: لا نعلم، هو قال: «كنتُ ممّن حضروا مجلس إلقائها وكنتُ ممَّن طَرِب لها وصفَّق»، وهذا أمرٌ جيّد من ناقد وشاعر كبير، ولكنّه سرعان ما أضاف قوله: «الطرب والتصفيق لا يمكن اعتبارهما حكماً نقدياً»، وبهذا أدخلَناَ في حَيْرة؛ فهل صفّق للقصيدة من قَلْبه طرَباً؟ أم صفّق لها مجاملةً؟ نُقدِّر أنه لو صفّق لها طرَباً لدافع عن شعريتها باستماتة، لأنّ الطرب بقصيدة مّا إنما هو حُكم نقدي (ذَوْقي) يصدره المستمع بفكره وجسده معاً، وهو أصدق أحكام النقد، ولا يقدر أيّ منهج أدبيّ في الأرض أنْ يزعزعَه أو يُفنِّدَه، فالتذوق ليس فعلاً سهلاً ومقدوراً عليه من قبل كل الناس، إنه أرقى ما تبلغه المهارة، وإنه لن يتذوّق إلا خبير. وعليه، لا يقدر المرء على الطرب لقصيدة من جهة، ثمّ يَعُدّها قليلة الشعرية من جهة أخرى.
السلامي، أكد أنه استَمْتع بما قاله الأستاذان حاتم الزهراني وعادل خميّس، فقد كان رأياهما النقديّان هادئيْن، وأحال كلّ رأي منهما على معرفة بالشعر مُناسِبة، وبلغ الرَّجُلان من معاني قصيدة حيدر العبدالله أسْخَاها دَلالةً.