عرضت في لندن نسخة من مسودة كتاب «أعمدة الحكمة السبعة»، لمؤلفه الجاسوس البريطاني تي إي لورنس، الملقب بـ«لورنس العرب»، للبيع بـ 65 ألف جنيه إسترليني! وسر هذا الثمن المرتفع أن هذه النسخة تضم فصلاً عمد لورنس إلى حذفه، بماء على نصيحة من صديقه الكاتب والفيلسوف البريطاني جورد برنارد شو. ويشير الفصل المحذوف إلى شعور لورنس بالخزي المستمر من قيام بريطانيا بخلف وعودها لبلدان الشرق الأوسط بعتقها من الاستعمار، في أعقاب الثورة العربية الكبرى. وكان الممثل البريطاني بيتر أوتول قام بتجسيد شخصية لرونس العرب في الفيلم الشهير الذي تم إطلاقه في سنة 1962 بعنوان «لورنس العرب». وكان لرونس انضم إلى الثوار العرب، بعد تخرجه في جامعة أكسفورد، ليعينهم على محاربة الإمبراطورية العثمانية التي كانت معظم الدول العربية تخضع لها، حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. واندلعت الثورة العربية في سنة 1916 ضد القوات التركية العثمانية. وعمل لورنس العرب بشكل وثيق مع فيصل بن الحسين. وكان العرب يعتقدون أن هذا الكفاح ضد العثمانيين سيؤدي الى قيام دولة عربية موحدة. بيد أن نهاية الحرب العالمية الأولى أدت الى انعقاد مؤتمر فرساي في فرنسا، الذي انتهى بتقاسم بريطانيا وفرنسا العالم العربي في ما بينهما، ما أثار سخطاً لتراجع القوى الغربية عن وعودها للعرب. وصدر كتاب «أعمدة الحكمة السبعة»، وهو وصف لورنس لوقائع الثورة العربية، في سنة 1926.بيد أن لورنس أصدر نحو 100 نسخة منه في سنة 1924، لاستقطاب ممولين يستطيعون دفع فاتورة طباعة الكتاب. والنسخة المعروضة حالياً بـ 65 ألف جنيه هي إحدى نسخ العام 1924. ويتمسك لورنس، الذي توفي في 1935، في هذه النسخة النادرة بأنه ما كان يريد شيئاً سوى مساعدة العرب على بناء دولتهم الموحدة المستقلة ذات السيادة. وكتب أن الثورة الع8ربية هي «حرب عربية قام بها العرب من أجل هدف عربي في البلاد العربية». وأعرب عن اعتقاده بأنه يساعد العرب على خلق «دولة جديدة قادرة على استعادة النفوذ المفقود». وأشار كاتب سيرة لورنس سكوت أندرسون الى أن النظرة الى لرونس تباينت بين من اعتبروه مخلصاً في تحالفه مع العرب، ومن اعتبروه خائناً لوطنه، ولرغبات بريطانيا في حكم الشرق الأوسط. وقال بائع الكتب النادرة الذي عرض النسخة المشار اليها ويدعى غلين ميتشيل إن الفصل المحذوف من الكتاب يؤكد إخلاص لورنس لفكرة أنه يريد ثورة يقوم بها العرب، من أجل أرضهم العربية، تنتهي بتحررهم من الاستعمار التركي العثماني، ومن نفوذ الدول الغربية. غير أن صديقه جورج بيرنارد شو نصحه بحذف ذلك الفصل، معتبراً أنه لا يصلح لاستهلال الكتاب. وقام لرونس بتأسيس دار نشر خاصة به، كلفها بطباعة 100 نسخة من الكتاب، وإرسالها لممولين يمكن أن يجودوا بتكلفة طباعة آلاف النسخ من مذكراته. وتم إرسال نسخة الى جورج بيرنارد شو لتقويم قدرة لورنس على الكتابة، ومراجعة أي أخطاء في الأسلوب. ويعرب لورنس في الفصل المحذوف عن شعوره بالعار من خلف بريطانيا وعودها للعرب بالاستقلال والسيادة. وأضاف أن العرب يؤمنون بالأشخاص وليس بالمؤسسات. «وقد عرفوني عميلاً حراً للحكومة البريطانية، وطلبوا من تأكيد الوعود التي تلقوها خطياً من الحكومة البريطانية. وقد أكدت للعرب وعود الحكومة. وخلال سنتين في أتون الحرب تقاربنا واعتادوا على تصديق ما أقوله، وبدأوا يعتقدون أن المكافأة التي وعدتهم بها الحكومة البريطانية ستتحقق».