حسمت الجهات المعنية في مصر اليوم (الأربعاء) قضية الطفل «شنودة» التي أشغلت الرأي العام خلال الأشهر الماضية، بعدما تسلمته أسرته القبطية بـ«التبني» صباح اليوم من إحدى دور الرعاية الاجتماعية التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي.
ووسط حالة من الفرح الممزوج بـ«البكاء» احتضنت آمال إبراهيم 51 عاماً «ربة منزل» التي عثرت عليه منذ خمس سنوات داخل إحدى الكنائس بالقاهرة، وقامت بتربيته مع زوجها على اعتبار أنه ابنهما، وقالت: «كنت في حالة انهيار خلال الشهور الماضية.. فالحياة بدونه كانت مستحيلة.. كنت أتحسس وقت خروجه من الرعاية الاجتماعية.. لأحتضنه في صدري مرة أخرى» واصفة قرار النائب العام بعودته إلى أبويه بالتبني بـ «القرار الإنساني» في المقام الأول، ويجسد الإنسانية التي يعيشها المصريون مسلمين ومسيحيين جنبًا إلى جنب في أبهى صورها، وتابعت هي قضية لا تخص مسلما أو مسيحيا على الإطلاق، وإنما تخص كل أب وأم مصرية، وأضافت حرمت من الإنجاب بعد سنوات من المرور على الأطباء ولكن بلا أمل، حتى عوضني ربنا بـ«شنودة».
وأضاف فاروق بولس والد الطفل شنودة أثناء تسلم ابنه، أشكر الله الذي استجاب لنا بعد عذاب لشهور طويلة وأشكر النيابة العامة. وتابع والدموع تغرق عينيه: «ابني في حضني أخيرا وسوف أقدم له حياتي كلها وسوف أعوضه عن ما تعرض من حرمان خلال عام داخل الدار، وربنا يسامح كل شخص تسبب في أذى هذا الطفل».
وأمرت جهات التحقيق المصرية، بتسليم الطفل «شنودة» مؤقتًا إلى أسرته التي عثرت عليه كعائل مؤتمن، بعد اتخاذ تعهد عليها بحسن رعايته والمحافظة عليه وعدم تعريضه للخطر، وكلفتها باستكمال إجراءات كفالته وفقًا لنظام الأسر البديلة، وذلك بعدما استطلعت النيابة العامة رأي فضيلة مفتي الجمهورية في ديانة الطفل في ضوء ملابسات التحقيق، وأصدر فتوى بأن الطفل يتبع ديانة الأسرة المسيحية التي وجدته وفق آراء فقهية مفصلة.
وكانت قصة الطفل «شنودة» التي أثارت الرأي العام في مصر منذ أشهر، حيث عثر عليه داخل كنيسة «العذراء أم النور» بحي الزاوية الحمراء أحد أحياء شمال القاهرة عام 2018، وهو طفل لا يتعدى عمره سوى أيام، ونشأ على يد عائلة قبطية لم يرزقها الله بالأطفال، وأطلقوا عليه اسم «شنودة فاروق فوزي» وبدأت حياته بالاستقرار في كنفهما 4 سنوات، ولكن لا تجري الرياح بما تشتهي السفن دائمًا، تحولت حياة الطفل الصغير أخيرا لجحيم، بعد أن تقدمت ابنه أخت الزوج بشكوى للطعن في نسب الطفل إلى الأسرة الحاضنة، وكان السبب في البلاغ الخلافات بين رب الأسرة وابنة شقيقته على الميراث، إذ اعتقدت أن الصغير سيحجب الميراث عنها، فقامت بإبلاغ قسم الشرطة أن هذا الطفل الرضيع لم يعثر عليه داخل الكنيسة وإنما خارجها، وبالتالي فهو مجهول النسب.
وبدأت بعدها قصة «الطفل» تأخذ منحنى آخر، خصوصا بعد تحليل الحمض النووي الذي أثبت أن الطفل لا يرتبط بهما، وتم وضعه في إحدى دور رعاية الأيتام وتغير اسمه إلى «يوسف» بعد استحالة العثور على أهله، وأُصدرت الجهات المعنية شهادة ميلاد جديدة باسم رباعي جديد ودين جديد.
وتولى رئيس منظمة حقوق الإنسان ومحامي أسرة الطفل نجيب جبرائيل، ملف القضية ببلاغ للنائب العام لسماع الشهود لإثبات أنهم وجدوا الطفل بالكنيسة، وقال في دعواه إنه طبقًا للشريعة الإسلامية ورأي الأزهر أنه إذا وجد طفل في مكان مسيحي إذا فهو يعتبر مسيحيًا، مضيفاً أن شهود العيان وأحد مسؤولي الكنيسة أفادوا في التحقيقات بالعثور على الطفل في الكنيسة، وبعد 6 أشهر من المداولات بين المحكمة الإدارية ومحامي الأسرة، قضت محكمة القضاء الإداري في مصر بعدم اختصاصها بنظر القضية، ما أدى لحدوث حالة من الإحباط الشديد للأبوين، حتى جاء رد الأزهر كطوق النجاة لهما، وكانت إجابة الأزهر أن ديانة الطفل لمن وجده، ليحسم الجدل الفقهي حول ديانة الأطفال مجهولي النسب، دون أن يذكر تحديداً الطفل شنودة، أو يتحدث عن القضية بشكل مباشر.
وأعلن جبرائيل عدم تغيير الاسم الأول للطفل «شنودة» بالتبني وأنه سيظل كما هو، مؤكداً أنه سوف يتواصل مع الجهات المعنية باختيار اسم رباعي مسيحي للطفل.
وما إن انتشرت فتوى الأزهر على منصات التواصل الاجتماعي، حتى اشتعلت هذه المنصات بآراء متضاربة حول كيفية تحديد ديانة الطفل ومدى قانونية موقف والديه، وسط تعاطف بعضهم مع الوالدين واتهام آخرين لهما بعدم قانونية ما قاما به، بل وصل الأمر إلى تجريم ما فعلاه مع الطفل، وتفتح قضية الطفل شنودة ملفا شائكا حول قضية التبني وتغيير الديانة في مصر، وهي قضية لطالما أثارت الجدل حولها، وتطبق مصر «نظام الأسر البديلة» الذي ينص على إلحاق الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية، خصوصا مجهولي النسب من أجل الحفاظ عليه.